في تصريح أثار جدلًا واسعًا، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إحباطه من بطء التقدم في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، قائلًا: "في مرحلة ما، يتعين عليك فقط أن تتحرك أو تصمت".
جاءت هذه التصريحات في سياق تعليقاته على الجهود الدبلوماسية الجارية لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف وتسبب في أزمة إنسانية وجيوسياسية عميقة. وفقًا لتقرير نشرته "يوروميدان برس" بتاريخ 13 أبريل 2025، يعكس موقف ترامب توترًا متزايدًا في المحادثات، حيث يضغط من أجل تحقيق تقدم ملموس قبل أن يفقد الزخم الدبلوماسي قوته.
خلفية الصراع وجهود السلام
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، شهد العالم واحدة من أكثر النزاعات دموية وتعقيدًا في العصر الحديث. تسبب الصراع في نزوح الملايين، ودمار واسع في البنية التحتية الأوكرانية، وفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا.
وعلى الرغم من الجهود الدولية المتعددة للتوسط من أجل وقف إطلاق النار، بقيت المفاوضات عالقة بسبب الخلافات العميقة حول قضايا مثل السيادة الإقليمية، وشروط نزع السلاح، وضمانات الأمن لكلا الطرفين.
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، جعل ترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا أولوية دبلوماسية رئيسية، مؤكدًا في مناسبات عدة أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب دورًا محوريًا في التوصل إلى تسوية. لكنه، على عكس إدارات سابقة، تبنى نهجًا يعتمد على الضغط المباشر على كل من روسيا وأوكرانيا، مع التركيز على تحقيق نتائج سريعة. تصريحه الأخير يعكس هذا النهج، حيث يبدو أن ترامب يحث الأطراف على اتخاذ قرارات حاسمة بدلًا من الاستمرار في النقاشات غير المثمرة.
تفاصيل تصريحات ترامب وردود الفعل
في تعليقه الذي أوردته "يوروميدان برس"، استخدم ترامب لغة مباشرة وغير تقليدية، وهي سمة تميز أسلوبه السياسي. عبارة "تحرك أو اصمت" لم تكن مجرد تعبير عن الإحباط، بل رسالة موجهة إلى الأطراف المفاوضة – وخاصة روسيا – بأن الوقت ينفد.
وتشير تقارير إلى أن هذا التصريح جاء بعد سلسلة من المحادثات التي أجراها ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث حاول دفع الطرفين نحو اتفاق يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار وتقاسم السيطرة على بعض الأراضي المتنازع عليها.
ردود الفعل على تصريحات ترامب كانت متباينة. في أوكرانيا، أثارت اللغة الحادة قلقًا بين بعض المسؤولين الذين يخشون أن تكون دعوة ترامب إلى "التحرك" إشارة إلى الضغط من أجل تقديم تنازلات إقليمية كبيرة، مثل الاعتراف بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم أو أجزاء من إقليم دونباس. زيلينسكي، الذي أكد مرارًا أن أوكرانيا لن تقبل أي اتفاق يقوض سيادتها، رد بشكل دبلوماسي ولكنه حذر، مشددًا على أن "أوكرانيا هي من يقرر مصيرها".
من جانب روسيا، تجنب الكرملين التعليق المباشر على عبارة ترامب، لكن المتحدث باسم الرئاسة دميتري بيسكوف أشار إلى أن "موسكو منفتحة على الحوار، ولكن فقط على أساس شروطها".
هذا الموقف يعكس استراتيجية روسيا المستمرة في استخدام المفاوضات كوسيلة لتعزيز مكاسبها العسكرية على الأرض، بدلًا من تقديم تنازلات جوهرية.
التحديات أمام المفاوضات
تواجه مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا عقبات هائلة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
الخلافات حول الأراضي: تطالب روسيا بالاعتراف الرسمي بضمها للقرم وأجزاء من دونباس، بينما تصر أوكرانيا على استعادة حدودها المعترف بها دوليًا قبل عام 2014. أي محاولة لتقسيم الأراضي ستواجه معارضة شديدة من الطرفين، فضلًا عن ردود فعل داخلية قوية في أوكرانيا.
ضمانات الأمن: تطالب أوكرانيا بضمانات أمنية دولية قوية، بما في ذلك احتمال انضمامها إلى حلف الناتو، وهو ما تعارضه روسيا بشدة. ترامب، من جانبه، أعرب عن شكوكه بشأن توسيع الناتو، مما يعقد هذه المعادلة.
الضغط الاقتصادي والعسكري: تواصل روسيا استهداف البنية التحتية الأوكرانية، بينما تعاني أوكرانيا من نقص في الإمدادات العسكرية بسبب تباطؤ الدعم الغربي.
في الوقت نفسه، تواجه روسيا ضغوطًا اقتصادية بسبب العقوبات، لكنها لم تظهر حتى الآن أي استعداد للتراجع.
الدور الأمريكي والأوروبي: بينما يسعى ترامب إلى لعب دور الوسيط المهيمن، تشعر أوروبا بالقلق من تهميشها في المفاوضات. دول مثل فرنسا وألمانيا أكدت أن أي اتفاق لا يشمل أوكرانيا وأوروبا لن يكون مستدامًا، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد.
تداعيات تصريحات ترامب
ذكرت الصحيفة أن تصريحات ترامب ليست مجرد تعبير عن الإحباط، بل لها آثار استراتيجية محتملة:
على أوكرانيا: قد تدفع التصريحات زيلينسكي إلى إعادة تقييم استراتيجيته التفاوضية، خاصة إذا شعر أن الدعم الأمريكي مشروط بتقديم تنازلات. هذا قد يؤدي إلى توتر داخلي في أوكرانيا، حيث يعارض الكثيرون أي تسوية تتضمن التخلي عن الأراضي.
على روسيا: قد ترى موسكو في تصريحات ترامب فرصة لكسب الوقت، خاصة إذا استمرت في تحقيق مكاسب عسكرية. لكن الضغط الأمريكي قد يدفع بوتين إلى تقديم مقترحات رمزية لإظهار "حسن النية" دون التنازل عن مطالبه الأساسية.
على العلاقات الأمريكية-الأوروبية: يثير نهج ترامب المنفرد مخاوف الحلفاء الأوروبيين، الذين يخشون أن يؤدي أي اتفاق متسرع إلى تقويض الأمن الأوروبي. هذا قد يعزز الدعوات داخل أوروبا لتطوير قدرات دفاعية مستقلة عن الولايات المتحدة.
على النظام العالمي: نجاح أو فشل هذه المفاوضات سيؤثر على التوازنات الجيوسياسية العالمية، خاصة في ظل تنامي نفوذ الصين وإيران كلاعبين بديلين في الساحة الدولية.
الخاتمة: لحظة الحقيقة
تصريح ترامب بأن "التحرك أو الصمت" هو المطلوب يضع الأطراف المعنية أمام لحظة حاسمة. بالنسبة لأوكرانيا، فإن التمسك بموقفها الرافض للتنازلات قد يعني استمرار الحرب مع تكاليف باهظة.
بالنسبة لروسيا، فإن الاستمرار في المماطلة قد يؤدي إلى تصعيد العقوبات أو فقدان الدعم الأمريكي الذي يبدو أن ترامب حريص على تقديمه كجزء من صفقة شاملة.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن نجاح ترامب في تحقيق اختراق دبلوماسي قد يعزز صورته كصانع سلام، لكن الفشل قد يعرضه لانتقادات حادة داخليًا ودوليًا.
وتبقى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا اختبارًا ليس فقط لإرادة الأطراف المباشرة، بل لقدرة المجتمع الدولي على إيجاد حلول مستدامة للصراعات المعقدة.
كما أشار تقرير "يوروميدان برس"، فإن كلمات ترامب قد تكون بمثابة دعوة للعمل، لكن السؤال الحقيقي هو: هل سيستجيب الأطراف المعنية لهذه الدعوة، أم أن الحرب ستستمر رحاها.