أعربت محللة المخاطر السياسية والنزاهة، هوما يوسف، عن إعجابها الشديد بتعامل المصريين مع إرثهم الحضاري وآثار حضارتهم العريفة، وقالت في مقال نشرته مجلة Dawn، "إذا كنت مصريًا، فإن مجرد ذكر كلمة "مصر" يوقظ في قلبك شعورًا بالفخر يصعب وصفه. إنها ليست مجرد أرض نعيش عليها، بل هي قصة حياة ترويها الأهرامات الصامدة، ومعابد الكرنك الشامخة، وتماثيل أبو الهول التي تحرس تاريخنا. كمصري، أشعر أن آثارنا ليست مجرد حجارة أو نقوش، بل هي جزء من هويتنا، تحكي عن أجدادنا الذين علّموا العالم الكتابة، الهندسة، والعدالة. ارتباطنا بهذا الإرث، كما تصفه هوما يوسف في مقالها "مصر: الأمة التي لا تنسى جذورها"، ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو إصرار على حمل هذه المسؤولية العظيمة لنقل تراثنا إلى العالم وإلى أجيالنا القادمة. إننا، كمصريين، نحمل في قلوبنا إحساسًا بأننا أمناء على حضارة ليست لنا وحدنا، بل للإنسانية".
جذور الارتباط: تاريخ ينبض بالحياة
وتعتقد هوما يوسف أن تاريخ مصر ليس مجرد صفحات في كتب التاريخ، بل هو سجل حي يمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة. منذ أن شيّد الفراعنة الأهرامات بدقة تتحدى العلم الحديث، إلى تطوير الهيروغليفية كأول أنظمة الكتابة، كانت مصر منارة للمعرفة. كما تذكر هوما يوسف في مقالها، فإن "المصريين يرون في تاريخهم ذاكرة حية تربطهم بجذورهم"، وهذا ما يجعل كل اكتشاف أثري جديد، مثل المدينة الذهبية في الأقصر، حدثًا يوقظ فينا الفخر. لقد مرت مصر بحقب مختلفة، من الفرعونية إلى القبطية فالإسلامية، ومع كل تأثير خارجي، استطاعت أن تحتفظ بجوهرها. هذا الصمود جعل آثارنا ليست مجرد معالم سياحية، بل رموزًا للهوية التي تجمعنا كشعب.
مظاهر الارتباط: الفخر والمسؤولية
يتجلى ارتباط المصريين بتاريخهم في تفاصيل حياتهم اليومية ومواقفهم الجماعية وإصرار المرشدين السياحيين على أن نهب الآثار يشمل نقلها بطرق غير مشروعة وتحويلها إلى مقتنيات خاصة أو معروضات بمتاحف غربية.
الاحتفاء بالاكتشافات: عندما يُعلن عن حدث أثري كبير، مثل موكب المومياوات الملكية عام 2021، يتحول الحدث إلى عيد وطني. وترى المصريين يتابعون هذه الأحداث بحماس، كما لو كانوا يستعيدون جزءًا من ماضيهم، وهو ما أشارت إليه يوسف بقولها إن "كل اكتشاف هو تأكيد على عظمة الماضي وحيويته في الحاضر".
الدفاع عن التراث: الحملات الشعبية لاستعادة الآثار المسروقة، مثل رأس نفرتيتي، تعكس إحساسًا عميقًا بالمسؤولية. المصريون لا يرون هذه القطع كمجرد تحف، بل كجزء من كرامتهم الوطنية.
التاريخ في الحياة اليومية: من الأفلام التي تتناول قصص الفراعنة إلى التصاميم المستوحاة من النقوش القديمة، يظل التراث الفرعوني حاضرًا في ثقافتنا. حتى أسماء أبنائنا، مثل "أحمس" أو "نفرتاري"، تحمل عبق التاريخ.
دور الإعلام: جسر بين الماضي والحاضر
الإعلام، كما يتضح من مقال هوما يوسف، يلعب دورًا محوريًا في تعزيز هذا الارتباط. منصات مثل "دون" تساهم في:
إبراز الاكتشافات الأثرية: التغطية الواسعة لأحداث مثل افتتاح المتحف المصري الكبير تجعل الشعب جزءًا من هذه اللحظات التاريخية.
التوعية بالتحديات: مناقشة قضايا مثل التلوث أو التعدي على المواقع الأثرية تدفع المجتمع للمطالبة بحماية التراث.
ربط التاريخ بالواقع: من خلال تحليلات تربط قيم الماضي، كالعدالة والتعاون، بتحديات الحاضر، يصبح التاريخ مصدر إلهام للمستقبل.
التحديات: بين الحفاظ والتطوير
رغم هذا الارتباط العميق، تواجه مصر تحديات تهدد استمراريته:
الوعي المحدود: الضغوط الاقتصادية قد تُلهي البعض عن أهمية الآثار، مما يتطلب جهودًا تعليمية أكبر.
التوسع العمراني: الزحف العمراني على مدن مثل الجيزة يهدد المواقع الأثرية، كما تشير يوسف إلى ضرورة "إيجاد توازن بين التنمية والحفاظ".
السياحة غير المستدامة: السياحة مصدر دخل رئيسي، لكنها قد تؤدي إلى تدهور الآثار إذا لم تُدار بحكمة.
دلالات الارتباط: هوية عالمية
هذا الارتباط يحمل معاني عميقة:
الهوية الوطنية: التاريخ هو المرساة التي تجمع المصريين، كما تقول يوسف: "إنه الخيط الذي يربط الماضي بالحاضر ويمهد للمستقبل".
مسؤولية إنسانية: المصريون يرون أنفسهم حراسًا لتراث عالمي، ينتمي للبشرية بأسرها.
إلهام للعالم: بحفاظهم على هذا الإرث، يُسهم المصريون في الحوار الحضاري، مؤكدين أن مصر ليست مجرد دولة، بل رمز للإبداع الإنساني.
ويرى المراقبون أن ارتباط المصريين بآثارهم وتاريخهم، كما عبرت عنه هوما يوسف في مقالها "مصر: الأمة التي لا تنسى جذورها"، هو تعبير عن إيمان راسخ بقيمة هذا الإرث. إنه قرار شعبي بالحفاظ على هوية تمتد لآلاف السنين، وتحدٍ لنقل هذه الأمانة إلى الأجيال القادمة. من خلال جهود مشتركة بين المجتمع، الحكومة، والإعلام، يمكننا حماية هذا التراث وجعله مصدر إلهام للعالم. مصر، كما كانت دائمًا، ليست مجرد وطن، بل هي ذاكرة الإنسانية الحية، ونحن، شعبها، صوت هذه الذاكرة.