أعادت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر ملف الغواصات الحربية الفرنسية التي تسعى مصر لشرائها إلى الواجهة، وفقًا لموقع "باكستان ديفنس".
وأثارت المفاوضات الجارية بين مصر وشركة "نافال جروب" الفرنسية لشراء غواصات "سكوربيون 2000" المتطورة قلقًا إسرائيليًا لاحظه المراقبون، نظرًا للقدرات العسكرية المتقدمة لهذه الغواصات وتأثيرها المحتمل على ميزان القوى البحرية في شرق المتوسط، الأمر الذي يبرز أهمية تسليط الضوء على الأسباب الاستراتيجية والعسكرية وراء اعتراض إسرائيل، مع توضيح مظاهر هذا الاعتراض، كما وردت في تقارير المواقع المتخصصة في شؤون الدفاع، ووسائل إعلام فرنسية.
أسباب اعتراض إسرائيل
1. القدرات المتقدمة لغواصات "سكوربيون 2000"
تُعد غواصات "سكوربيون 2000" من الجيل الجديد، وتتميز بقدرات تجعلها تهديدًا استراتيجيًا محتملًا، بما في ذلك نظام الدفع الهوائي المستقل الذي يتيح للغواصة البقاء تحت الماء لمدة تصل إلى 21 يومًا بصمت تام، مما يعزز قدرتها على تنفيذ العمليات السرية والتجسس، ما يمنح مصر تفوقًا في القدرة على المناورة دون الكشف، وهو ما يقلق إسرائيل التي تعتمد على غواصات "دولفين" الألمانية، وفقًا لتقرير موقع (Naval Technology).
وأشار تقرير لموقع "ديفينس ناو" إلى أن هذه القدرات تتفوق على الغواصات الألمانية "تايب 209" التي تمتلكها مصر حاليًا، علاوة على قدرة الغواصات الفرنسية العالية على استخدام صواريخ كروز للهجوم البري لاستهداف أهداف برية بعيدة المدى، مما يمنح مصر قدرة هجومية استراتيجية قد تشكل تهديدًا، تخشاه تل أببب، وكذلك التسليح متعدد الأغراض.
2. تغيير ميزان القوى البحرية في شرق المتوسط
تسعى إسرائيل للحفاظ على تفوقها البحري في المنطقة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية وحماية حقول الغاز في شرق المتوسط. امتلاك مصر لغواصات "سكوربيون 2000" يمنحها قدرات تنافسية مقارنة بغواصات إسرائيل "دولفين"، التي تُعد العمود الفقري للقوة البحرية الإسرائيلية.
وفقًا لموقع "تاكتيكال ريبورت"، فإن الصفقة قد تجعل مصر تمتلك "أقوى غواصتين أوروبيتين" ("تايب 209" و"سكوربيون 2000")، مما يعزز مكانتها كقوة بحرية إقليمية، وفقًا لمحللي موقع "تاكتيكال ريبورت".
3. التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا
اشترطت مصر تصنيع جزء من الغواصات الفرنسية محليًا في أحواض بناء السفن المصرية، مثل حوض "3 يوليو" البحري. هذا الشرط أثار مخاوف إسرائيل، حيث يعني نقل تكنولوجيا متقدمة إلى مصر، مما يعزز قدراتها الصناعية العسكرية على المدى الطويل. وفقًا لموقع "ديفينس ناو"، وزارت وفود فرنسية الأحواض المصرية لتقييم جاهزيتها، مما يشير إلى جدية المفاوضات. إسرائيل تخشى أن يؤدي ذلك إلى تطوير قدرات مصرية مستقلة في بناء وصيانة الغواصات، مما يقلل من اعتمادها على الدول الغربية، وفقًا لمحللي موقع "تاكتيكال ريبورت".
4. التاريخ الإسرائيلي في عرقلة صفقات مصرية
لإسرائيل تاريخ في محاولة التأثير على صفقات الأسلحة المصرية لضمان تفوقها العسكري. على سبيل المثال، أشارت تقارير "ديفينس عربية" إلى أن الغواصات "تايب 209" الألمانية التي حصلت عليها مصر جاءت بمواصفات منقوصة (بدون AIP أو صواريخ كروز) بسبب ضغوط إسرائيلية. الصفقة الفرنسية الحالية، التي تشمل تجهيزات متقدمة، تُعتبر تهديدًا أكبر، خاصة مع احتمال إدراج صواريخ كروز بعيدة المدى، وفقًا لموقع ميدل إيست مونيتور"، ومقره لندن.
5. السياق الجيوسياسي والتوترات الإقليمية
تأتي صفقة الغواصات الفرنسية في ظل توترات إقليمية متزايدة، بما في ذلك التنافس على موارد الغاز في شرق المتوسط والصراعات في ليبيا وسوريا. إسرائيل ترى في تعزيز القدرات البحرية المصرية تهديدًا محتملًا لمصالحها، حتى مع وجود معاهدة سلام بين البلدين. وفقًا لتصريحات داني دانون، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، فإن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 زاد من الحذر الإسرائيلي، حيث أشار إلى ضرورة "مراقبة مصر عن كثب" بسبب تسلحها، بما في ذلك الغواصات، وفقًا لصحيفة جيروزاليم بوست.
مظاهر اعتراض إسرائيل
1. التصريحات العلنية من المسؤولين
كان داني دانون، سفير الكيان في الأمم المتحدة، قد أعرب عن مخاوف إسرائيل بشأن التسلح المصري في عدة مناسبات. في مقابلة مع إذاعة "كول باراما" في يناير 2025، تساءل: "لماذا تحتاج مصر إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟"، مشيرًا إلى أن مصر لا تواجه تهديدات مباشرة على حدودها.
وأضاف أن هجوم حماس في أكتوبر 2023 يجب أن يدق "أجراس الإنذار"، داعيًا إلى مراقبة مصر والاستعداد لكل السيناريوهات، وفقًا لموقع Jewish Press، كما كرر هذه التصريحات في فبراير 2025، مشددًا على ضرورة سؤال الولايات المتحدة عن سبب تزويد مصر بهذا القدر من الأسلحة، وفقًا لموقع Algemeiner الأمريكي الذي يحظى برعاية وتمويل اليهود الأمريكيين.
2. الضغوط الدبلوماسية على فرنسا
وأفاد موقع "تاكتيكال ريبورت" بأن إسرائيل مارست ضغوطًا على فرنسا لعرقلة الصفقة، خاصة فيما يتعلق بشرط التصنيع المحلي في مصر. هذه الضغوط تأتي في سياق العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وفرنسا، حيث كانت فرنسا موردًا رئيسيًا للأسلحة لإسرائيل في الستينيات والسبعينيات. التقرير لم يحدد تفاصيل الضغوط، لكنه أشار إلى "معارضة شديدة" من دولة إقليمية، يُرجح أن تكون إسرائيل
3. التاريخ الحديث للمعارضة
تشير تقارير إلى أن إسرائيل حاولت سابقًا التأثير على صفقات أسلحة مصرية. على سبيل المثال، أفادت "بي بي سي" بأن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واجه انتقادات داخلية بسبب موافقته على صفقة غواصات ألمانية لمصر، مما يعكس حساسية مثل هذه الصفقات في إسرائيل.
4. الصمت الرسمي والتركيز الإعلامي
لم تصدر إسرائيل بيانات رسمية مباشرة تعلن اعتراضها على الصفقة، وهو أمر متوقع بسبب العلاقات الدبلوماسية الحساسة مع مصر. ومع ذلك، فإن التركيز الإعلامي على الصفقة في وسائل إعلام إسرائيلية، كما نقلت تقارير مثل "إسرائيل هيوم"، يعكس مستوى القلق الاستراتيجي. على سبيل المثال، ذكرت "إسرائيل هيوم" في يناير 2025 أن هناك "قلقًا واسعًا" في إسرائيل بشأن التسلح المصري، بما في ذلك الغواصات وفقًا لصحيفة "إسرائيل هيوم".
وتشير تقارير إعلامية فرنسية، مثل تلك المنشورة في موقع "أفريكا إنتليجنس"، إلى أن فرنسا تسعى لتعزيز شراكاتها العسكرية في شمال إفريقيا (مصر والمغرب) بعد أزمة إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية عام 2021 ضمن اتفاقية "أوكوس". هذا السياق يجعل فرنسا أقل استعدادًا للخضوع للضغوط الإسرائيلية، خاصة مع الحاجة إلى تعويض خسائر "نافال جروب"، ومع ذلك، أشارت تقارير "لا تريبيون" الفرنسية إلى مخاوف فرنسية بشأن التمويل المصري للصفقة بسبب الأزمة الاقتصادية في مصر، مما قد يمنح إسرائيل فرصة، ولو ضئيلة للتأثير غير المباشر على الصفقة من خلال الضغط على الجهات المانحة أو المؤسسات المالية الدولية.
السياق الإقليمي
على الرغم من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، فإن التوترات الإقليمية تزيد من حساسية إسرائيل تجاه التسلح المصري. هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم التهديدات المحتملة، بما في ذلك من مصر، التي تُعتبر وسيطًا رئيسيًا في الصراع بين إسرائيل وحماس. كما أن التنافس على موارد الغاز في شرق المتوسط، والصراعات في ليبيا وسوريا، يجعل إسرائيل حذرة من أي تعزيز للقدرات العسكرية المصرية.
ويعود اعتراض إسرائيل على صفقة "سكوربيون 2000" إلى القدرات المتقدمة للغواصات، التي تشمل نظام AIP، صواريخ كروز، وأنظمة دفاع جوي، إلى جانب مخاوف من تغيير ميزان القوى البحرية ونقل التكنولوجيا إلى مصر. مظاهر الاعتراض تشمل تصريحات علنية من مسؤولين مثل داني دانون، وضغوطًا دبلوماسية على فرنسا، مع الاستفادة من التاريخ الإسرائيلي في عرقلة صفقات مصرية. على الرغم من ذلك، فإن المصالح الفرنسية في تعزيز الصادرات العسكرية قد تحد من فعالية هذه الضغوط. تظل المفاوضات مستمرة، مع ترقب لتطورات جديدة قد تؤثر على موقف إسرائيل.