أخبار عاجلة
فالنسيا يستفسر عن إمكانية ضم نجم الأهلي -

بيروت بلا شعارات حزبية أو طائفية ودور رائد للجيش

بيروت بلا شعارات حزبية أو طائفية ودور رائد للجيش
بيروت بلا شعارات حزبية أو طائفية ودور رائد للجيش

في خطوة لافتة تعكس حرص الدولة اللبنانية على تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز الانقسامات السياسية والطائفية، شهدت العاصمة بيروت مؤخرًا مبادرة مميزة لإزالة الصور والشعارات الحزبية والدينية من الأماكن العامة. هذه المبادرة، التي واكبتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بالتعاون مع فرق الدفاع المدني وعناصر شرطة بلدية بيروت، أثارت اهتمامًا واسعًا كونها تمثل محاولة جادة لاستعادة الحيادية في الفضاء العام، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة. 

وفقًا لما نشرته "الإندبندنت" البريطانية، أمس الثلاثاء الموافق 15 أبريل 2025، فقد تم تنفيذ هذه العملية بسلاسة، مما يبرز الدور الرائد للجيش اللبناني كمؤسسة وطنية تحظى بثقة اللبنانيين، وتعمل على حماية النسيج الاجتماعي في بلد طالما عانى من الانقسامات.

بيروت تتحدى الانقسامات

تُعدّ بيروت، عاصمة لبنان، مرآة تعكس تنوع البلاد الثقافي والديني والسياسي. لكن هذا التنوع، الذي يُعتبر مصدر قوة، تحول في كثير من الأحيان إلى مصدر توتر بسبب الشعارات والرموز الحزبية والطائفية التي تزيّن جدران المدينة وشوارعها. هذه الشعارات، التي غالبًا ما تُعبّر عن ولاءات سياسية أو دينية، ساهمت في تعميق الانقسامات بين اللبنانيين، خاصة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي مر بها لبنان في السنوات الأخيرة. منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، ظلت بيروت ساحة للتعبير عن الهويات الفرعية، حيث تتنافس الأحزاب والطوائف على فرض وجودها عبر اللافتات والصور التي تُمجّد زعماءها أو تروّج لأيديولوجياتها.

في السنوات الأخيرة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية، ازدادت الدعوات الشعبية لتجاوز الخطابات الطائفية والحزبية. انتفاضة 17 أكتوبر 2019 كانت شاهدة على هذا التحول، حيث رفع المتظاهرون شعارات تطالب بالوحدة الوطنية وإسقاط النظام الطائفي. في هذا السياق، جاءت مبادرة إزالة الشعارات كخطوة عملية لترجمة هذه الدعوات إلى واقع ملموس، مع التركيز على استعادة الفضاء العام كمساحة محايدة تعبّر عن الجميع، وليس عن فئة أو طائفة بعينها.

دور الجيش اللبناني: ركيزة الاستقرار والحياد

يُعتبر الجيش اللبناني من المؤسسات القليلة التي حافظت على ثقة اللبنانيين عبر العقود، رغم التحديات السياسية والأمنية التي واجهها البلد. بفضل التزامه بالحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف سياسي أو طائفي، أصبح الجيش رمزًا للوحدة الوطنية. هذا الدور تجلّى بوضوح في مبادرة إزالة الشعارات، حيث تولّت مديرية المخابرات في الجيش مهمة الإشراف والمواكبة، بالتعاون مع الدفاع المدني وشرطة بلدية بيروت. هذا التنسيق بين مختلف المؤسسات يعكس قدرة الجيش على توحيد الجهود الوطنية نحو هدف مشترك.

لم يقتصر دور الجيش على الجانب التنفيذي فحسب، بل امتد إلى تعزيز الشعور بالأمان بين المواطنين أثناء تنفيذ العملية. في بلد يعاني من حساسيات طائفية، كان وجود الجيش كجهة محايدة أمرًا حاسمًا لضمان عدم تحوّل المبادرة إلى مصدر توتر. على سبيل المثال، خلال احتجاجات 2019، تردد الجيش في بعض الأحيان في التدخل خوفًا من اتهامه بالانحياز، لكنه في هذه المبادرة أظهر قدرة على التحرك بحزم وحيادية في آن واحد.

تاريخيًا، لعب الجيش اللبناني دورًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار، سواء في مواجهة التهديدات الخارجية، كالعدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، أو التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية. في كارثة انفجار مرفأ بيروت عام 2020، كان الجيش من أوائل المؤسسات التي استنفرت لتقديم الإغاثة وإخلاء المصابين، مما عزز صورته كمؤسسة وطنية تخدم جميع اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم. هذه السمعة جعلت الجيش الخيار الأمثل لقيادة مبادرة حساسة مثل إزالة الشعارات، التي تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحزم والحياد.

استعادة الفضاء العام

إزالة الشعارات الحزبية والطائفية من شوارع بيروت ليست مجرد عملية تنظيف، بل خطوة رمزية تحمل دلالات عميقة. الفضاء العام في أي مدينة هو انعكاس لهويتها، وعندما يُسيطر عليه خطاب طائفي أو حزبي، يفقد دوره كمساحة جامعة. في بيروت، حيث لطالما كانت الجدران منصة للتعبير عن الانقسامات، جاءت هذه المبادرة لإعادة تعريف هذا الفضاء كمكان للحوار والوحدة.

في عام 2012، شهدت بيروت حملة مشابهة نظّمها ناشطون تحت اسم "بيروت مختبر"، حيث رسموا لوحات وكتبوا شعارات تدعو إلى الوحدة الوطنية وتنتقد الطائفية. لكن هؤلاء الناشطين واجهوا تحديات، بما في ذلك توقيفهم من قبل السلطات بسبب حساسية الرسائل السياسية. ما يميز مبادرة 2025 هو دعمها المؤسساتي من الجيش والبلدية، مما منحها شرعية وقوة تنفيذية أكبر.

علاوة على ذلك، تأتي هذه المبادرة في سياق إقليمي ومحلي معقد. ففي السنوات الأخيرة، شهد لبنان توترات طائفية متصاعدة، كما حصل في فبراير 2025، عندما نظّم أنصار حزب الله تظاهرات قرب مطار بيروت احتجاجًا على منع طائرة إيرانية من الهبوط، وتخللتها شعارات طائفية مسيئة. هذه الحادثة أعادت إلى الواجهة مخاطر الخطاب الطائفي، مما جعل مبادرة إزالة الشعارات أكثر إلحاحًا.

رغم أهمية المبادرة، فإنها تواجه تحديات عدة. أولًا، إزالة الشعارات لا تعني بالضرورة القضاء على الانقسامات الطائفية والحزبية في المجتمع. هذه الانقسامات متجذرة في النظام السياسي اللبناني، الذي يعتمد على تقاسم السلطة بين الطوائف. ثانيًا، قد تواجه المبادرة معارضة من بعض الأحزاب أو الجماعات التي ترى في الشعارات تعبيرًا عن هويتها. في هذا السياق، يبقى دور الجيش حاسمًا في ضمان استمرارية العملية دون السماح بتحوّلها إلى صراعات.

من جهة أخرى، يمكن لهذه المبادرة أن تكون بداية لتحول أوسع في الخطاب العام في لبنان. من خلال إزالة الشعارات الطائفية، يمكن للدولة أن تشجع على حوار وطني يركز على القضايا المشتركة، مثل إعادة الإعمار، مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة. كما يمكن أن تُلهم هذه الخطوة مدنًا أخرى في لبنان لاتباع نهج مماثل، مما يعزز مفهوم المواطنة الجامعة.

جيش لبنان محرك للوحدة الوطنية

مبادرة "بيروت بلا شعارات حزبية أو طائفية"، بقيادة الجيش اللبناني، تمثل خطوة جريئة نحو استعادة الفضاء العام كمساحة محايدة تعكس التنوع اللبناني دون الانحياز إلى أي طرف. من خلال هذه المبادرة، يؤكد الجيش دوره كمؤسسة وطنية تجمع اللبنانيين تحت راية الوحدة والاستقرار. ورغم التحديات التي قد تواجه هذا المشروع، فإن نجاحه يمكن أن يشكل نموذجًا لدول أخرى تعاني من انقسامات مماثلة. في نهاية المطاف، تبقى بيروت رمزًا للصمود والتنوع، ومع مبادرات مثل هذه، يمكن أن تتحول إلى نموذج للتعايش والوحدة الوطنية.
 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أسعار الخضار والفاكهة اليوم الإثنين
التالى بقرار رسمي.. 17 يومًا إجازة رسمية خلال أبريل ومايو 2025