أخبار عاجلة

خبراء يربطون اعتداءات التلاميذ على الأساتذة بمسببات نفسية واجتماعية

خبراء يربطون اعتداءات التلاميذ على الأساتذة بمسببات نفسية واجتماعية
خبراء يربطون اعتداءات التلاميذ على الأساتذة بمسببات نفسية واجتماعية

في ظل تزايد حالات الاعتداء الجسدي على نساء ورجال التعليم من طرف بعض التلاميذ والطلبة، يطفو على السطح نقاش يتجاوز النظر إلى هذه الأفعال كتصرفات عدوانية معزولة وعفوية على شكل ردود أفعال متسرّعة، حيث تُطرح أسئلة حول ما إذا كانت الاعتداءات تعبّر، في العمق، عن هشاشة نفسية واجتماعية وثقافية يعيشها المعتدون، خاصة حين يكونون ضحايا لظروف قاسية ومتراكمة تُضعف قدرتهم على التحكم في انفعالاتهم.

الصحة النفسية

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “تحليل ظاهرة الاعتداءات التي يقوم بها بعض التلاميذ والطلبة تجاه رجال ونساء التعليم من زاوية الصحة النفسية، يكشف عن أبعاد أعمق مما يبدو على السطح، ويُخرجنا من التفسير الساذج الذي يُرجع السلوك فقط إلى العنف اللحظي أو سوء التربية”.

وأكّدت الفضل، في تصريح لهسبريس، أن “هذه السلوكيات غالبًا ما تكون مؤشراً على هشاشة نفسية عميقة يعاني منها الشاب، ناتجة عن تراكمات مختلفة مثل الحرمان العاطفي أو الأسري، إذ إن غياب التفاهم داخل الأسرة، أو وجود علاقات متوترة، يولّد شعوراً بالغضب أو الإحباط، فيجد الطالب في بعض الأحيان متنفسًا له في التمرد على السلطة التربوية”.

وذكرت الأخصائية ذاتها، ضمن التراكمات أيضا، “التنمر والضغط الاجتماعي”، موضحة أن “المعتدي يمكن أن يكون هو نفسه ضحية تنمر أو احتقار من أقرانه أو من أحد الأساتذة، أو يعاني من تدني احترام الذات”، مشيرة في الوقت ذاته إلى “غياب مهارات التعبير عن المشاعر، إذ إنه في غياب ثقافة نفسية داخل البيت والمدرسة، لا يجد الشاب طريقة صحية للتعبير عن مشاعره السلبية، فيتحول الغضب إلى عنف”.

ونبّهت ندى الفضل إلى أن “طريقة التواصل مع التلميذ تندرج ضمن التراكمات”، شارحة بالقول: “في بعض الحالات لا يأخذ الأساتذة بعين الاعتبار الفترة العمرية التي يمر منها الشباب وضغوطاتهم النفسية من أجل تحقيق الذات وضمان استقلاليتهم، وهو ما يفسّر سرعتهم في الرد والانفعال والقلق والغضب من تصرفات بعض الأساتذة، خاصة في حالة استفزاز سلوك التلميذ أو شخصيته أو كلامه…”.

وبخصوص من يعتبر التلميذ المعتدي مجرّد ضحية بشكل من الأشكال، قالت الأخصائية والمعالجة النفسية الإكلينيكية: “نعم صحيح إلى حد بعيد، لأن التلميذ الذي يعتدي، في كثير من الأحيان، لا يكون ‘مجرماً صغيراً’ بقدر ما يكون ضحية لاضطرابات نفسية غير مشخصة”.

وذكرت ندى الفضل في حديثنا عن الاضطرابات النفسية غير المشخصة، “اضطرابات في المزاج كالاكتئاب أو القلق”، و”الاضطرابات السلوكية كالتحدي والتمرد، واضطراب نقص الانتباه المصحوب بفرط الحركة”، و”اضطرابات في الشخصية، كالشخصية المعادية للمجتمع”، و”حين يتولّد لدى الطفل شعور مزمن بالإحباط أو الفشل، خاصة حين يشعر بأن المؤسسة التعليمية لا تقدم له شيئًا أو لا تعترف بجهده”.

ودعت المتحدثة لهسبريس الآباء والأساتذة إلى فهم البعد النفسي للمراهق، من خلال “الاستماع والحوار البناء مع التلميذ دون إصدار أحكام، عبر منحه مساحة آمنة للحديث عن مشاعره دون خوف أو انتقاد أو تحطيم لغوي معنوي”، و”تقديم الدعم العاطفي على اعتبار أن إشعاره بأن ‘مفهوم’ و’مقبول’ يخفف من عدوانيته”، و”التعاون مع الأخصائيين النفسيين في المدرسة وخارجها عند ملاحظة تغييرات حادة في السلوك”.

وأكّدت ندى الفضل ضرورة “تعزيز ثقافة الحوار داخل الأسرة والمؤسسة التعليمية”، و”الابتعاد عن العقاب التلقائي”، و”التركيز على فهم خلفيات السلوك قبل إصدار الأحكام”، منبّهة في السياق ذاته إلى أن “العنف المدرسي ليس فقط مشكلة تربوية، بل هو صرخة نفسية من شاب لم يجد من يفهمه، لذلك فإن الحل يبدأ من الفهم قبل العقاب”.

تساؤلات مستقبلية

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “الوسط التعليمي يشهد اليوم موجة عنف مقلقة وخطيرة تستدعي التوقف عندها بجدية، وما يبعث على القلق هو أننا لا نعلم إلى أين يمكن أن تتطور هذه الظاهرة، ولا نعرف أشكال العنف التي قد يواجهها رجال ونساء التعليم في المستقبل داخل المجتمع المغربي”، مضيفا أن “هذا العنف لا يسيء فقط لمكانة مهنة التعليم، بل يشوه كذلك صورة التلميذ، ويجعلنا نتساءل عن صورة ‘التلميذ المواطن’ في المستقبل، والتخوف الكبير هو أن تتحول هذه المهنة النبيلة إلى مهنة محفوفة بالمخاطر، مما سيؤثر حتما على الإقبال عليها من قبل الشباب”.

وأوضح السعليتي، في تصريح لهسبريس، أنه “في الماضي، ورغم وجود أشكال من العنف داخل المدرسة، خصوصا تلك التي كانت تصدر عن الأستاذ تجاه التلميذ، إلا أنها لم تكن تشكل خطرا على حياة الأطفال والمراهقين، بل كانت تُدرج ضمن الأساليب التربوية التي تهدف إلى التعليم والنجاح، ولم تكن وليدة دوافع عدوانية أو نية لتدمير الآخر، بل كانت محكومة بهدف بناء مواطن صالح”، مضيفا: “أما اليوم، فنحن أمام ظاهرة مختلفة تمامًا، تفرض علينا، من خلال منظور العلوم الإنسانية، أن نطرح أسئلة جوهرية من قبيل: كيف ينتج المجتمع شخصية عدوانية؟ وكيف أصبح من الممكن أن يتجرأ تلميذ أو مراهق على استعمال العنف تجاه من يعلمه ويساهم في تكوينه؟”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن “العنف في الوسط المدرسي لا يهدد فقط سلامة الأفراد، بل يخلخل سير المؤسسات التعليمية ويؤثر على توازنها الصحي والنفسي، والسؤال المركزي هنا هو: ما هي العوامل التي تُنتج الشخصية العدوانية داخل المدرسة؟”، مؤكّدا أن “هناك بالفعل أسبابا معقدة ومتشعبة، مثل التفكك الأسري، الإحباطات، الصراعات، الأزمات داخل العلاقات العائلية، وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى نشوء شخصية تحمل دوافع عدوانية وانتقامية، غير أن المطلوب اليوم ليس فقط الوقوف عند الأسباب، بل التفكير الجدي في الحلول التي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة”.

ونبّه السعليتي إلى أن “السلوك العدواني يظهر داخل علاقة الأستاذ بالتلميذ، خاصة عندما تأخذ هذه العلاقة طابعا صراعيا”، مشيرا إلى أنه “في التحليل النفسي، يمكن تفسير هذا السلوك من خلال ما يسمى نظرية التحويل، حيث يذكّر الأستاذ التلميذ، خاصة إن كان يعاني من اضطرابات نفسية أو أعراض مرضية، بالأب السيئ أو الأم السيئة أو بشخصية سلطوية في محيطه، مما يؤدي إلى تفجير العدوانية، ولهذا من المهم جدا أن يخضع الأساتذة لتكوينات في مجالات التواصل، وأساليب احتواء العدوانية، بدل تكريس الصراع، حتى يتمكنوا من التعاطي مع هذه الحالات بمهنية ووعي”.

ومن بين الحلول المقترحة، ركز أستاذ علم النفس الاجتماعي على ضرورة “إدماج أطر متخصصة في علم النفس داخل المؤسسات التعليمية، مهمتهم تشخيص الحالات الصعبة، ومواكبتها، ومساعدة المدرسة في التعاطي مع الأزمات قبل تفاقمها، كما يجب أن يُعاد النظر في وظيفة المدرسة نفسها، بحيث لا تظل مجرد فضاء للتلقين، بل تصبح فضاءً لمواكبة الأطفال والمراهقين نفسيا واجتماعيا وتربويا”.

وشدد مصطفى السعليتي على أن “غياب الحلول العملية يجعل من مهنة التعليم مغامرة حقيقية، ويؤدي إلى توتر دائم، وقلق نفسي، وعدم استقرار مهني، مما ينعكس سلبا على العلاقات داخل المؤسسة، وعلى مردودية العمل، وعلى صحة الفاعلين التربويين”، موردا أن “المدرسة المغربية اليوم مطالبة بالقيام بأدوار جديدة تتماشى مع تحولات المجتمع المغربي، خاصة في ظل تراجع القيم، وتفكك العلاقات الأسرية، وتزايد الإحباطات، مما يساهم في إنتاج شخصيات عدوانية”.

وفي هذا السياق، تساءل الأستاذ الجامعي عن “سبب عدم توفّر المؤسسات التعليمية العمومية، كما هو الحال في بعض الجامعات والمدارس الخاصة، على حراس أمن خاصّ”، مشددا على ضرورة “التفكير في تعزيز الأمن داخل المدارس العمومية، من خلال توفير عناصر أمنية مؤهلة تتدخل في حالات النزاع أو السلوك العدواني لحماية كل مكونات المجتمع المدرسي”.

مسؤولية الأسرة

المصطفى صائن، رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، قال: “من المؤسف أن نصل إلى مستوى نشاهد فيه اعتداءات شنيعة على نساء ورجال التعليم وهم الأحق بالتكريم والعرفان”، معتبرا أن “السبب المباشر لتنامي العنف المدرسي هو أزمة المدرسة العمومية وتراجع مردوديتها معرفيا وأخلاقيا، مما أضعف الثقة والاحترام بين الأسرة والمدرسة”.

وقال صائن، في تصريح لهسبريس، إن “المشاكل الاجتماعية والمادية تلعب دورا كبيرا في تفشي الظاهرة”، مشيرا إلى أن “هشاشة الأسر تفقدها القدرة على تربية الأبناء، كما أن تجاهل المدرسة لهذه المشاكل يعمّق إحساس التلميذ بالإقصاء، ما قد يؤدي إلى تنمر الأستاذ عليه بدل دعمه ومساعدته على تجاوز الصعوبات التي يواجهها”.

وأكد المتحدث أن “المردودية البيداغوجية الضعيفة وجفاف الحياة المدرسية من بين العوامل التي تؤجج العنف داخل الفصول الدراسية”، لافتا إلى أن “أغلب الأطر الإدارية والتربوية لم تعد تجد معنى في هذه الحياة، خاصة في ظل الغياب شبه التام لخلايا الإنصات والوساطة التي يمكن أن تلعب دورا وقائيا في مثل هذه الحالات”.

وأشار رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ إلى أنه “تم اختزال وظيفة الأستاذ في تقديم الأنشطة الصفية وتقويمها، دون أي انفتاح على واقع المتعلمين أو مساهمة في تنمية مواهبهم وتوجيههم بشكل سليم، وهو ما جعل المدرسة تفقد وظيفتها التربوية والاجتماعية وتتحول إلى فضاء غير محفّز على النمو المتكامل للتلاميذ”.

وختم مصطفى صائن توضيحاته بالتأكيد أن “تدهور صورة الأستاذ واختلال مبدأ تكافؤ الفرص أدّيا إلى تراجع ثقة الأسرة في المدرسة، ومن ثم تراجع احترام التلميذ لأستاذه”، معتبرا أن “الحل يكمن في ترميم العلاقة بين الأسرة والمدرسة، باحترام كل طرف لأدواره التربوية والاجتماعية والمعرفية، لإعادة التوازن للعملية التعليمية”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اقتراف سرقة يعصف بسائق حافلة بعد 29 سنة من الخدمة
التالى إبطال مخالفة لتجاوز سرعة السياقة يعيد "الرادارات المتخفية" إلى الواجهة