احتفاءٌ بتجربة الشاعر والأكاديمي المغربي محمد الشيخي، في عام عيشه السابع والسبعين، حضر في ندوة وطنية عنوانها “تجربة محمد الشيخي الشعرية: الرؤيا والتشكيل”، نظمتها، الخميس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
محمد الشيخي، الأستاذ الذي درّس أجيالا من الطلبة بالجامعات المغربية مادة الشعر الحديث والمعاصر، حال عارض صحي دون انتقاله من تطوان إلى الرباط لحضور الندوة الوطنية حول تجربته الشعرية، التي عرضت شريطا حول عطائه، يقتبس منه قوله: “أصبح الشعر عندي حاجة وضرورة لكي أستطيع مواصلة الحياة. أحيانا أحس بأنني مازلت أحيا ما دمت أتنفس الشعر؛ فبالشعر أحقق تواصلا حميميا مع الكون ظاهره وباطنه، وبه أتواصل مع الآخر كان مفترضا أو حقيقيا”.
المعتمد الخراز، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، قال في كلمة اللجنة المنظمة إن الشيخي “شهد له النقد المغربي منذ الثمانينيات بمدى أصالته، وتفرده، وقدرته على الحفر في تربة الشعريات القديمة والحديثة، والانفتاح على مكتسبات الحداثة الشعرية”.
وأضاف الخراز أن المكرم “اتخذ من الشعر موطنا ينتمي إليه ومسكنا يقيم فيه، فأخلص له الحب والود، ولم يعدد معه أجناسا أدبية أخرى في خلوته الإبداعية، ومنذ أول قصيدة له في منتصف القرن العشرين وعى أن الشعر قدره الذي لا مفر منه؛ فاختار السير في مسلكه الصعب، والقبض على جمره المتقد، في أناة وتؤدة وكثير من التأمل، فلم يُهدِنا في مسيره الشعري الطويل سوى ستة دواوين، خلال ستين سنة من المشي قرب نهر الشعر، وفي كل قصيدة وديوان (…) يتوضأ بماء، لفتح أفق جديد لتجربته، وينير طريق من أتى بعده من الشعراء ومحبي الشعر”.
وذكر المتدخل أن هذا الموعد أيضا “لحظة من لحظات التأمل في الشعر المغربي المعاصر، والتفكير في قضاياه، ومقترحاته الجمالية”.
الناقد محمد الداهي، منسق ماستر السرديات الثقافية والسيميولوجية، ذكر أن “الموعد تكريم وتقدير للشاعر الكبير محمد الشيخي، لقاء ما قدمه للشعر المغربي المعاصر من خدمات وفضائل، وما ضمنه في هذا الشعر من بصمته الخاصة، تأهيلا لمكانته، وتنويها بذكره”.
وتحدث الناقد عن “البعد الإنساني” للمكرّم، موردا: “من خلال تعرفي على أستاذي بجامعة القاضي عياض لمست فيه دماثة الخلق وجليل الصفات وصادق الخلل، مع اتسام بالخجل وابتعاد عن كل ما يثير الضجيج والجلبة، فيؤثر الانسحاب في محرابه الشعري، محاطا بزمرة علاقاته الخاصة”، ثم أردف: “له ديوان في كل عقد من الزمن، ستة دواوين في ستين سنة، وهو يحرص أيما حرص على تهييء شعره على نار هادئة”.
ومن دواعي تنظيم الندوة الوطنية أيضا، وفق الداهي، “تحولات كبيرة وقعت في مجال الأدب مست وظيفته”، وزاد: “بانهيار المعتقد الإيديولوجي أولا، والبنيوي ثانيا، وكوننا استطعنا الآن خلق مسافة حيال الظاهرة الشعرية المغربية المعاصرة، بعيدا عن الحساسيات والحزازات، أصبح بإمكاننا أن نناقش هذا المتن الشعري بعيدا عن المعايير الكلاسيكية من مفاضلة وأجيال، وأن ننتج معرفة حول هذا الشعر”.
أما كلمة شعبة اللغة العربية، التي ألقاها بالنيابة محمد خريصي، عضو اللجنة التنظيمية، فذكرت أن اسم محمد الشيخي “يدرج منذ الستينيات في عداد من أسهموا في إغناء الشعرية المغربية وتطويرها برائع دواوينه ‘حينما يتحول الحزن جمرا’ و’الأشجار’ و’وردة المستحيل’، و’ذاكرة الجرح الجميل’ و’زهرة الموج’، و’فاتحة الشمس’؛ وهي دواوين وطدت بمرور الوقت اسم محمد الشيخي في سماء الشعر المغربي، وتقليب تربته وإخصابها، إلى جانب مجايليه أحمد الجوماري، محمد بنيس، مليكة العاصمي، عبد الرفيع الجواهري، محمد بنطلحة، عبد الله راجع، ومحمد عنيبة الحمري، وغيرهم”.
ولم يكن الشاعر الشيخي لينال هذه المكانة “لولا إيمانه بوظيفة الشعر في التعبير عن قضايا الوطن والأمة والإنسان، وعنايته بالقصيدة لإعادة تمثيل الواقع بطرائق فنية، والبحث عن أفق جديد يعيد للكون توازنه، ويديم المحبة والجمال والسلم بين الناس؛ وقد حظيت تجربته منذ بدايتها بعناية واهتمام، ولفتت انتباه النقاد والدارسين والطلبة”.