أثارت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، إلى المملكة المتحدة جدلًا واسعًا بعد تقديم طلبات لجهات رسمية لإصدار مذكرة اعتقال بحقه من قبل نشطاء، على خلفية اتهامات بتورطه في جرائم حرب خلال الصراع في غزة. هذه الطلبات، التي تم رفضها لاحقًا من قبل مكتب المدعي العام البريطاني، أعادت فتح النقاش حول مسؤولية المسؤولين الإسرائيليين عن انتهاكات حقوق الإنسان، ودور المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في محاسبة الأفراد على جرائم الحرب.
خلفية القضية
في 17 أبريل 2025، نشرت صحيفة مورننج ستار أنباء تفيد بتقديم طلب لإصدار مذكرة اعتقال بحق جدعون ساعر أثناء زيارته للندن.
ووفقًا لتقرير نشرته هيئة البث الإسرائيلية، تم تقديم الطلب إلى مكتب المدعي العام البريطاني، لكن الطلب رُفض بسرعة، مما سمح لساعر بمواصلة زيارته دون عوائق قانونية. هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن واجه مسؤولون إسرائيليون تهديدات مماثلة في بريطانيا، كما حدث مع وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني في عام 2009، حين أصدرت محكمة بريطانية مذكرة اعتقال بحقها قبل أن يتم إلغاؤها.
جاء الطلب المقدم ضد ساعر في سياق تصاعد التوترات الدولية بشأن الصراع في غزة، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام التجويع كأسلوب حربي والقتل والاضطهاد. هذه المذكرات زادت من حساسية الزيارات الرسمية للمسؤولين الإسرائيليين إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مثل المملكة المتحدة، التي تلتزم قانونًا بتنفيذ قرارات المحكمة.
السياق القانوني
تعتمد الطلبات بإصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين في بريطانيا على مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، الذي يسمح للدول بملاحقة الأفراد المتهمين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة. في الماضي، كان القانون البريطاني يسمح للأفراد بتقديم شكاوى مباشرة إلى المحاكم لاستصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين أجانب. ومع ذلك، تم تعديل هذا القانون في عام 2011 بعد ضغوط إسرائيلية، ليتطلب موافقة ممثل الادعاء العام قبل إصدار أي مذكرة اعتقال تتعلق بجرائم ارتُكبت خارج الأراضي البريطانية.
في حالة ساعر، رفض مكتب المدعي العام البريطاني الطلب المقدم ضده، معتبرًا أنه لا يستوفي الشروط القانونية اللازمة. لم يتم الكشف عن هوية مقدم الطلب، لكن مثل هذه الطلبات غالبًا ما تأتي من منظمات حقوقية أو نشطاء يسعون لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على خلفية العمليات العسكرية في غزة. وفقًا لتقرير نشرته بي بي سي في سياق سابق، فإن القانون البريطاني المعدل يهدف إلى منع استغلال النظام القضائي لأغراض سياسية، مما يجعل إصدار مذكرات الاعتقال ضد مسؤولين أجانب أكثر صعوبة.
الموقف البريطاني
أثارت القضية نقاشًا داخل المملكة المتحدة حول التزاماتها كدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة العين الإخبارية، فقد وضعت مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية الحكومة البريطانية في موقف محرج، خاصة بعد إصدار مذكرات بحق نتنياهو.
ونقل تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية عن ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق لوكالة المخابرات البريطانية (MI6)، انتقاده لتردد الحكومة البريطانية في اتخاذ موقف واضح بشأن تنفيذ مذكرات الاعتقال، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء "تملّص" من الإجابة على أسئلة حول هذا الموضوع.
في الوقت نفسه، أكد المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الحكومة "تحترم" المحكمة الجنائية الدولية، لكنه لم يوضح ما إذا كانت بريطانيا ستعتقل مسؤولين إسرائيليين في حال زيارتهم للبلاد. هذا الموقف يعكس التوازن الدقيق الذي تحاول الحكومة البريطانية الحفاظ عليه بين التزاماتها القانونية الدولية وعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
الموقف الإسرائيلي
من جانبها، رحبت إسرائيل بقرار المدعي العام البريطاني برفض الطلب، معتبرة ذلك انتصارًا دبلوماسيًا. وفقًا لهيئة الإذاعة الإسرائيلية، أكدت الحكومة الإسرائيلية أن ساعر واصل زيارته كما هو مخطط لها، مما يشير إلى أن الطلب لم يؤثر على أجندته. في سياق مماثل، سبق أن وصفت إسرائيل قرارات المحكمة الجنائية الدولية، مثل تلك الصادرة بحق نتنياهو وجالانت، بأنها "معادية للسامية" و"منحازة سياسيًا"، وهو موقف عكسه مكتب نتنياهو في نوفمبر 2024.
على الصعيد الدولي، أثارت القضية ردود فعل متباينة. الدول الأوروبية الأخرى، مثل هولندا وبلجيكا وفرنسا، أكدت التزامها بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية، كما أشار تقرير لصحيفة مورننج ستار. على سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب استعداده لتنفيذ أوامر المحكمة، مما أدى إلى إلغاء زيارة رسمية له إلى إسرائيل بعد تصريحاته.
في المقابل، عبرت دول مثل الولايات المتحدة عن معارضتها لقرارات المحكمة، معتبرة أنها تفتقر إلى الشرعية، خاصة أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة.
تأتي المطالبات باعتقال الوزير الإسرائيلي في وقت تشهد فيه العلاقات بين إسرائيل والمجتمع الدولي توترًا متزايدًا بسبب استمرار الحرب في غزة. مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وجالانت، والتي وُصفت بأنها سابقة تاريخية كونها الأولى ضد قادة دولة مدعومة من الغرب