في صباحٍ مشرق يغيّر التاريخ، تدحرج الحجر عن القبر، وانكسر الصمت الثقيل الذي خيّم على القلوب منذ لحظة الصلب…
قام المسيح!
لم تكن مجرد قيامة جسدية، بل قيامة للرجاء، قيامة للحياة، وانتصار أبدي على قوى الظلام والموت واليأس.
الموت الذي أرهب البشر منذ الخليقة، هُزم في فجر القيامة.
ذاك القبر الذي وُضع فيه يسوع، لم يكن نهاية القصة، بل بداية جديدة كتبها الله بيده، وفتح بها بابًا جديدًا للبشرية كلّها.
القيامة هي قلب الإيمان المسيحي، هي الإعلان الأعظم عن محبة الله الذي لم يتركنا في ضعفنا، بل دخل بنفسه إلى الألم والموت ليحوّلهما إلى مجد.
يسوع لم يخرج من القبر فقط، بل خرج ومعه رسالة حيّة، أمانة سلّمها لتلاميذه، ولنا.
وصية القيامة: اذهبوا وكرزوا
بعد قيامته، لم يصعد يسوع فورًا إلى السماء، بل ظهر لتلاميذه، لتلك القلوب المكسورة التي هربت، أنكرته، خافت، وتشتتت.
لكنه لم يوبّخهم، بل جاء حاملًا السلام:
"سلام لكم… كما أرسلني الآب، أُرسلكم أنا أيضًا" (يوحنا 20:21)
وصيّته لم تكن مجرد كلمات وداع، بل كانت دعوة واضحة:
"اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها."
هذه ليست وصية لتلاميذ زمان فقط، بل دعوة مستمرة لكل من يؤمن بقيامته.
يسوع القائم من الموت، جعل من كل مؤمن شاهدًا حيًا للقيامة.
هو لم يقم فقط ليُظهر قوته، بل ليقيمنا معه، لنحيا له، وننقل رسالته للآخرين، بالكلمة، بالفعل، وبالحب.
رسالة سامية… ومسيرة لا تتوقف
التلاميذ، الذين كانوا خائفين ومنغلقين على أنفسهم، تحوّلوا بعد القيامة إلى رجال ونساء شجعان، يعلنون الحق، ويعيشون المحبة، ويضحّون بكل شيء من أجل أن يصل صوت المسيح إلى أقصى الأرض.
هذه القوة لم تأتِ منهم، بل من الروح القدس الذي وعدهم به الرب، وسكب عليهم يوم الخمسين.
ومنذ تلك اللحظة، انطلقت الكنيسة لتكون نورًا في العالم، ومجتمعًا يحمل رسالة الفداء، ويعيش القيامة في كل تفاصيل الحياة.
نظرة يسوع الأخيرة: حب لا ينكسر ووصية بالاستمرار
في وسط الألم والدماء، ومن على خشبة الصليب، لم ينسَ يسوع أمه… ولم ينسَ تلاميذه.
نظراته لم تكن نظرة وداع، بل نظرة حبّ ورسالة.
اتجهت عيناه نحو مريم، أمه التي شاركته الطريق منذ لحظة البشارة، ونحو يوحنا، التلميذ الذي ظل واقفًا عند الصليب حتى النهاية.
وفي تلك اللحظة، نطق بكلمات قصيرة… لكنها أعمق من أي خطبة:
"يا امرأة، هوذا ابنك… يا يوحنا، هوذا أمك."
ببساطة، سلّم مريم للتلميذ، وسلّم التلميذ لمريم… لكنه كان يسلّم الكنيسة كلّها لمحبته.
كانت تلك النظرة تقول:
"أنا راحل بالجسد، لكنكم ستكملون… لن تتركوا وحدكم، فالمحبة التي بينكم ستكون امتداد حضوري فيكم."
كانت نظرة وداع، لكنها أيضًا نظرة تأسيس.
تأسيس لجماعة محبة، لخدمة تستمر، لعائلة جديدة لا تربطها الدماء، بل يربطها الإيمان والرسالة.
وفي تلك النظرة، قال يسوع بدون كلمات:
"تذكروا دائمًا… أنتم في قلبي، والرسالة في أيديكم."
والآن… ماذا عنا؟
القيامة ليست فقط ذكرى نحتفل بها، بل هي حقيقة نعيشها كل يوم.
كل مرة نقوم من يأسنا، من سقوطنا، من ضعفنا، نحن نعلن قيامة المسيح فينا.
وصيّته ما زالت حيّة:
"اذهبوا"…
اذهبوا إلى بيوتكم، إلى شغلكم، إلى أصحابكم…
كونوا نور، كونوا ملح، كونوا شهود على محبة الله المنتصرة.
المسيح قام… فهل نحن أيضًا نقوم معه كل يوم؟
هل نعيش القيامة كقوة تغيّر، تبني، وتُشفي؟
هل نكمل رسالته كما أوصانا، بكل أمانة وشجاعة؟