أخبار عاجلة

عطر الورود يفوح من عرق مغربيات.. واقع عاثر يختبئ وراء المنتوج الفاخر

عطر الورود يفوح من عرق مغربيات.. واقع عاثر يختبئ وراء المنتوج الفاخر
عطر الورود يفوح من عرق مغربيات.. واقع عاثر يختبئ وراء المنتوج الفاخر

معاناة نساء قطف الورد العطري بين أشواك الواقع وحرارة الشمس في قلب الحقول المزهرة بواحات دادس ومكونة (إقليم تنغير) المعروفة بالورد العطري، تتناثر قصص نساء لا يعرفن للراحة طعما، يبدأ نهارهن مع أول خيوط الفجر وينتهي ووجوههن مغطاة بآثار الغبار وأيديهن مخدوشة بأشواك الورد.

عشرات النساء، وربما المئات، يشتغلن موسميا في قطف الورد العطري، ذلك المنتج الفاخر الذي يباع في الأسواق الوطنية والعالمية بثمن مرتفع؛ بينما لا تتجاوز حصة من قطفنه دراهم معدودة لا تلبي الحاجيات الضرورية.

وعلى الرغم من هزالة الأجر ومشقة العمل تحت شمس حارقة، فإن هؤلاء النساء يواصلن العمل بصمت، مدفوعات بحاجة أسرهن ورغبتهن في المساهمة في مصروف البيت..

خلف رائحة الورود الزكية تختبئ معاناة يومية لا يراها من يشتري قارورة ماء الورد أو منتوجا ورديا فاخرا، هي حكاية تعب موسمي يتكرر كل عام دون أن يتغير حال من تصنع هذا العطر بأناملها.

“نخرج قبل طلوع الشمس، ونعود والعرق قد جف على جباهنا، ولا نحصل إلا على دراهم قليلة في اليوم، هل هذا يعقل؟”، قالت فاطمة، أربعينية تعمل في قطف الورد منذ أكثر من 8 سنوات، بينما تمسح بيدها آثار غبار الحقل عن وجهها.

وأكدت المرأة الأربعينية، في حديثها لهسبريس، أن العمل في قطف الورد العطري لا يتطلب فقط الوقوف لساعات طويلة؛ بل هو نشاط شاق يتم في ظروف قاسية.

وأضافت المتحدثة ذاتها: “النساء ينحنين باستمرار لقطف الزهر، ويواجهن الأشواك التي تجرح أيديهن، ناهيك عن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الربيع، حيث تشتد الشمس في منتصف النهار، دون أي حماية أو تعويض صحي أو اجتماعي”.

بدروها، قالت فتيحة، التي تبلغ من العمر 55 سنة، في تصريح لهسبريس: “نحن نعمل في ظروف صعبة جدا، لا ظل، ولا ماء بارد، ولا حتى أجر يليق بما نبذله من جهد، لكن ماذا سنفعل؟ لا عمل آخر لدينا”.

وأضافت المرأة ذاتها أن قاطفات الورد يعملن في وضع صعب مقابل ثمن بخس وبدون تغطية صحية أو التصريح في الضمان الاجتماعي.

“بالنسبة لهؤلاء النساء، فإن قطف الورد ليس مجرد عمل موسمي، بل هو وسيلة للبقاء، كثيرات منهن أمهات، أو زوجات لرجال لا يجدون عملا ثابتا، وبعضهن أرامل أو معيلات لأسرهن. ومع غياب بدائل اقتصادية حقيقية، يصبح الورد، رغم أشواكه، مورد رزق لا يمكن الاستغناء عنه”، أوردت فتيحة.

امرأة أخرى تدعى خديجة قالت: “زوجي مريض ولا يستطيع العمل، وأنا مضطرة إلى الخروج كل صباح للعمل في الحقل”، مبرزة: “صحيح أن الأجر قليل؛ لكنه أفضل من لا شيء”، مؤكدة أنها تعاني من آلام في الظهر؛ لكنها تواصل العمل من أجل توفير لقمة عيش لأبنائها ولزوجها المريض.

محمد أعبي، فاعل حقوقي بإقليم تنغير، قال إن المفارقة الكبيرة تكمن في القيمة السوقية للمنتوج؛ فزيت الورد العطري وماء الورد يباعان بأسعار مرتفعة جدا، ويستخدمان في الصناعات التجميلية والدوائية الراقية، ويتم تصديرهما إلى الخارج، ورغم ذلك، فإن العاملات في بداية هذه السلسلة الإنتاجية لا يجنين سوى الفتات.

وأضاف أعبي، في تصريح لهسبريس، أن قاطفات الورد يعتبرن من الفئات الاجتماعية المهمشة ومن الضروري رد الاعتبار إليهن.

وفي هذا الصدد، أشار الفاعل الحقوقي ذاته إلى أن الملتقى الدولي للورد العطري، الذي بلغ نسخته الـ60 هذه السنة، يجب أن يعطي الأولوية لهؤلاء النسوة وتكريمهن والاستماع إليهن وإلى مشاكلهن، وليس الرقص على معاناتهن وتخصيص موارد مالية مهمة لا تستفيد منه هذه النسوة شيئا.

“نحن نرى الشاحنات تأتي وتجمع الورد، ثم نسمع أن زيوته تباع بمئات الدراهم للتر الواحد، ونحن لا نحصل حتى على ما بين 90 و80 درهما في اليوم، قالت زينب، التي ترى في هذا الواقع ظلما لا يبرر.

وأضافت الشابة في الثلاثينية في تصريح لهسبريس: بينما ينظم مهرجان سنوي للاحتفال بالورد، وتعرض صوره في الكتيبات السياحية، وتغنى له الأغاني، تبقى النساء العاملات خلف هذا الجمال في الظل، لا حقوق مضمونة، ولا تأمينات اجتماعية، ولا حتى اعتراف رسمي بوضعهن كعاملات موسميات يستحققن أجورا عادلة وتغطية صحية.

وأضافت المتحدثة ذاتها، وهي تضحك بسخرية تخفي وراءها الكثير من الألم: “أن في المهرجان يلبسون الفتيات أزياء تقليدية ويرشون الورد على الحضور؛ لكن لا أحد يسأل عنا، نحن من نقطف تلك الورود بصمت”.

قاطفة وورد أخرى من واحة مكونة، قالت لهسبريس: “نحن نساء الورد، نبدأ نهارنا قبل أن يستيقظ الضوء، نقطف الجمال بأيدينا؛ لكننا لا نحتفظ بعطره.. أيادينا التي تنزف من الأشواك لا تعرف نعومة العطر الذي نقطفه للعالم”.

ولفتت هذه المرأة إلى “أننا مثل نساء المناطق التي تستخرج منها الفضة والذهب، واللواتي تلمع في أياديهن خواتم من حديد، لا من ذهب ولا من فضة، هناك من يتزينون بنتاج تعبنا؛ لكننا نظل في الظل، نعطي دون أن نأخذ، نزرع الفرح ونحيا في الصمت”، بتعبيرها.

ويطالب عدد من الفاعلين الحقوقيين والناشطين المحليين بضرورة الالتفات إلى أوضاع هؤلاء النساء، عبر تقنين العمل الموسمي وتثمين دور المرأة القروية في الاقتصاد المحلي، وتوفير تعاونيات تؤطر العاملات وتضمن لهن دخلا عادلا، وحماية قانونية من الاستغلال.

وأكد هؤلاء الفاعلون أنه أصبح من الضروري دعم النساء العاملات في قطاع الورد العطري، ليس فقط ماديا؛ ولكن أيضا من خلال التكوين، وتوفير معدات تحميهن من الأشواك والشمس، وتمكينهن من المشاركة في الاستفادة من عائدات منتوج يعتبر ثروة محلية. فـ”كل وردة تقطف تحمل في طياتها قصة تعب، ووجها مجهولا لامرأة لم تذكر في تقارير الأرباح ولا في عقود التصدير.. ربما آن الأوان لرد جزء من الجميل لهؤلاء السيدات اللواتي يصنعن العطر؛ لكنهن لا ينلن منه شيئا، قال حمزة آيت با، فاعل جمعوي في المنطقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سعر الذهب اليوم السبت 3-5-2025 في بداية التعاملات المسائية بعد الارتفاع الأخير.. وعيار 21 الآن
التالى اللجنة المصرية توزع طرود غذائية على الأسر النازحة بالمخيم المصري في غزة (فيديو)