في تطور جديد يثير القلق الإقليمي والدولي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياته في جنوب قطاع غزة، مع تركيز خاص على مدينة رفح الحدودية.
وفقًا لتقرير مفصل نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل بقلم إيمانويل فابيان بتاريخ 9 أبريل 2025، يهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى إنشاء منطقة عازلة موسعة تشمل كامل مدينة رفح، مع السيطرة على ممر جديد يُعرف بـ"ممر موراج" بين رفح وخان يونس.
هذه الخطوة، التي تأتي في إطار استراتيجية معلنة للضغط على حركة حماس لإطلاق سراح المحتجزين، تثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية وراءها، خاصة في ظل الغياب شبه الكامل للاشتباكات المباشرة مع مقاتلي الحركة.
قال وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي إسرائيل كاتس، خلال زيارته لممر موراج إن هذه العمليات تهدف إلى تحقيق "إنجازات عظيمة"، بما في ذلك إخلاء السكان المدنيين من رفح وتطويق المدينة، لزيادة الضغط على حماس. ومع ذلك، يُشير التقرير إلى أن هذه "الإنجازات" لم تؤثر بشكل واضح على الحركة حتى الآن، حيث تواصل تجنيد مقاتلين جدد وإعادة تخزين أسلحتها المحدودة.
سياق التحركات الإسرائيلية في رفح
تشهد رفح، التي تُعدّ الملاذ الأخير لأكثر من 1.4 مليون نازح فلسطيني، ضغوطًا متزايدة منذ استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة. وفقًا لـتايمز أوف إسرائيل، لم تشهد المنطقة قتالًا مباشرًا كبيرًا، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذ أكثر من 1000 غارة جوية، وقضى على 40 من كبار ومتوسطي قادة حماس، واكتشف عدة أنفاق جديدة. كما استولى على ممر موراج، وهو شريط يمتد بطول 15 كيلومترًا من مستوطنة صوفا الإسرائيلية إلى ساحل غزة، موازيًا لمحور فيلادلفيا على الحدود المصرية.
المنطقة العازلة الموسعة، التي ستشمل في نهاية المطاف كامل رفح وتمتد لمسافة 5 كيلومترات حتى مشارف خان يونس، تهدف إلى عزل المدينة عن باقي القطاع. هذه الخطوة تأتي بعد إجلاء حوالي 250،000 فلسطيني من رفح منذ 18 مارس 2025، وفقًا لتقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يزعم أن العديد من مقاتلي حماس اختاروا عدم القتال. لكن السؤال المطروح: هل هذه العمليات تخدم أهدافًا أمنية بحتة، أم أنها جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في غزة؟
دوافع الاحتلال: بين الضغط التفاوضي والهيمنة الإقليمية
تُبرر إسرائيل تحركاتها في رفح بالحاجة إلى استعادة المحتجزين الـ59 المتبقين لدى حماس، إلى جانب هدف معلن بـ"هزيمة" الحركة. يرى كاتس، بحسب تايمز أوف إسرائيل، أن إخلاء السكان، والسيطرة على الأراضي، والحصار الإنساني المستمر تشكل ضغوطًا فعالة على حماس. لكن تصريحاته حول استمرار الحصار الإنساني، مع تأكيده على أنه "لا توجد انتهاكات في غزة"، تتناقض مع تقارير منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش، التي وثقت في مارس 2024 تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع بسبب القيود على دخول المساعدات.
من زاوية تحليلية، يبدو أن هذه الخطوة ليست مجرد ضغط تفاوضي، بل قد تكون محاولة لإعادة رسم الحدود الفعلية لغزة. توسيع المنطقة العازلة إلى 2 كيلومتر في معظم المناطق، وإدراج رفح بالكامل ضمنها، يشير إلى نية طويلة الأمد لتقليص المساحة المتاحة للفلسطينيين، مما يثير مخاوف من تهجير غير مباشر. تقرير نشرته نيويورك تايمز أشار إلى أن مثل هذه المناطق العازلة قد تُستخدم لتعزيز السيطرة الأمنية على الحدود، لكنها تُعقّد أي حل سياسي مستقبلي.
ردود الفعل المصرية والمخاوف الإقليمية
تواجه هذه الخطة معارضة شديدة من مصر، التي ترى فيها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وفقًا لتقرير رويترز في أبريل 2024، حذرت القاهرة من أن أي تحرك لإخلاء رفح دون تنسيق قد يُعرّض اتفاقية السلام مع إسرائيل للخطر. مصر، التي عززت وجودها العسكري على الحدود بجدران خرسانية وقوات إضافية، تخشى تدفق اللاجئين إلى سيناء، مما قد يخلق أزمة سياسية داخلية. تقرير لـواشنطن بوست أكد أن مصر ترفض أي سيناريو يتضمن تهجير الفلسطينيين، معتبرة ذلك خطًا أحمر.
من جهة أخرى، يُثير التقدم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا وممر موراج تساؤلات حول التنسيق مع مصر. فبينما تدعي إسرائيل أنها تسعى لمنع تهريب الأسلحة، فإن السيطرة على هذه المناطق قد تُفسر كمحاولة لتقويض دور مصر كوسيط في المنطقة، مما يزيد من التوترات الإقليمية.
التداعيات الإنسانية: كارثة وشيكة
إن إخلاء 250،000 فلسطيني من رفح، كما أشار تقرير تايمز أوف إسرائيل، يُفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. معظم هؤلاء النازحين يعيشون في خيام مؤقتة تحت ظروف مزرية، ولا توجد مناطق آمنة أخرى يمكن نقلهم إليها. تقرير لصحيفة الجارديان يصف الوضع في رفح بـ"الكارثي"، مع نقص حاد في المياه والغذاء والدواء. كما حذرت هيومن رايتس ووتش من أن إجبار المدنيين على النزوح تحت الحصار قد يُعتبر انتهاكًا للقانون الدولي.
وقالت الصحيفة البريطانية إن تصريحات كاتس حول الحصار الإنساني تُثير قلقًا خاصًا. فإغلاق منافذ المساعدات، كما أشار، يُعرّض ملايين الفلسطينيين لخطر المجاعة والأمراض. هذا النهج، الذي يُبرر بـ"الضغط على حماس"، يُظهر تجاهلًا للمعايير الأخلاقية والقانونية، مما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا.
الموقف الدولي والتحديات المستقبلية
وعلى الصعيد الدولي، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من الوضع في رفح، داعية إلى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، بحسب بي بي سي في فبراير 2024. الولايات المتحدة، رغم دعمها العسكري لإسرائيل، حثت على تجنب عمليات واسعة في رفح دون خطة لحماية المدنيين، كما ذكرت نيويورك تايمز. لكن غياب ضغوط ملموسة، كعقوبات اقتصادية أو سياسية، قد يُشجع إسرائيل على المضي قدمًا.
من منظور المتابعين والمحللين، فإن التحركات الإسرائيلية في رفح تُعيد إنتاج دائرة العنف المغلقة في غزة. فبينما تُصر إسرائيل على "هزيمة حماس"، تُظهر الحركة قدرة على الصمود، مستغلة غياب حل سياسي شامل. المنطقة العازلة، رغم أهدافها الأمنية المعلنة، قد تُسهم في تعميق الانقسامات وتأجيج المقاومة، بدلًا من تحقيق الاستقرار.
ويبدو أن توسيع المنطقة العازلة في رفح وإخلاء سكانها يُمثلان نقطة تحول خطيرة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. بينما تُروّج إسرائيل لهذه الخطوة كوسيلة للضغط على حماس، فإنها تُهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية وإثارة توترات إقليمية، خاصة مع مصر. المجتمع الدولي مدعو لاتخاذ موقف حاسم يضمن حماية المدنيين ويُعيد الأمل في حل سياسي يُنهي دوامة العنف.