أخبار عاجلة
أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 25-4-2025 في قنا -

الكراوي: الذكاء الاقتصادي في إفريقيا والعالم يبرز معالم "ثورة حقيقية"

الكراوي: الذكاء الاقتصادي في إفريقيا والعالم يبرز معالم "ثورة حقيقية"
الكراوي: الذكاء الاقتصادي في إفريقيا والعالم يبرز معالم "ثورة حقيقية"

يشهد الذكاء الاقتصادي ثورة حقيقية من حيث مفهومه ومهامه وممارساته، تجعل منه منظومة معقدة ومتعددة ومندمجة. وتضم هذه الأخيرة مجالات جديدة، ومقرونة بمهام مشتركة وأدوات محددة وآليات أكثر تطورا ومستمدة من مزايا الثورة الرقمية والاصطناعية الجديدة في عصر ما بعد الصناعة، مؤشرة بالتالي على نهاية نموذج واحد للذكاء الاقتصادي وبزوغ نوع جديد منه.

وفي الوقت الذي يتعزز هذا النموذج بالذكاء الاقتصادي الذي تمارسه أطياف متنوعة من الفاعلين، بمن فيهم الحكومات والمجالات الترابية والمقاولات المالية وغير المالية وهيئات الضبط الوطنية، إضافة إلى مراكز التفكير والجمعيات الاجتماعية والمهنية والقوات المسلحة ومصالح الأمن والمراكز البحثية والجامعات، أضحى نطاق تدخله يستوعب كافة مجالات الحياة؛ وتشمل هذه المجالات الاقتصاد والمالية والمحاسبة والتدبير والشؤون الاجتماعية والمناخ والسياسة والقانون والدبلوماسية والإستراتيجيات والدفاع والأمن، فضلا عن الثقافة والتراث والمشاعر والرياضة. ويضم في الوقت ذاته الأبعاد الجزئية والمتوسطة والكلية للذكاء الاقتصادي، مكرسا بالتالي شمولية المنظومة بأكملها.

ولا تعزى أسباب ذلك إلى سيادة البعد الاقتصادي في جميع مجالات الحياة الاجتماعية فحسب؛ بل إلى تعاظم حاجة جميع الفاعلين فيها إلى منظومة إعلامية ملائمة تساعدهم على اتخاذ قرارات فعالة ووثيقة الصلة وذات أغراض استراتيجية وعملية، بغية الرفع من مستوى الأداء الشامل وتوسيع نطاق نفوذهم وإشعاعهم وحماية أنفسهم من المتنافسين الشرعيين والأعداء المحتملين في الوقت الحاضر واستشراف آفاق مستقبلهم.

ويجد هذا المنظور مسوغه في معطى جديد. هذا المعطى مفاده أن الذكاء الاقتصادي بات يقع في صلب المكونات الأساسية الثلاثة للثروة في البلدان والمجالات الترابية والمقاولات، والتي تُختزل في الرأسمال الطبيعي والرأسمال المنتج والرأسمال اللامادي.

في واقع الأمر، يتضح، من تتبع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم الجديد في طور التشكيل، أن ممارسات الذكاء الاقتصادي أضحت عناصر لا محيد عنها لدعم السياسات العمومية للبلدان وإستراتيجياتها الرامية إلى ضمان سيادتها واستقلاليتها الاستراتيجية ونفوذها وإشعاعها وجاذبيتها وتنافسيتها وأمنها ورخائها.

يكمن أول مجال معني بهذه الثورة في الرأسمال الطبيعي. ويشمل تطبيق ممارسات ذات الصلة بذكاء التبعية الاستراتيجية؛ فقد لوحظ، منذ اندلاع الأزمة الصحية والحرب الروسية – الأوكرانية والحرب في الشرق الأوسط والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن تداعيات التغير المناخي بالخصوص، أن هذا النوع من الذكاء يؤثر على جميع العوامل المشكلة للرأسمال الطبيعي، بما فيها الموارد الطبيعية والمعدنية والطاقية والسمكية.

ويضم هذا الذكاء، المرادف للسيادة الاقتصادية، السيادة الغذائية والصحية والطاقية والمعدنية والبحرية والمائية من جهة، والذكاء المناخي والاستراتيجي من جهة ثانية.

وعلاقة بالمجال الثاني، تشمل ممارسات الذكاء الاقتصادي الاستخدام المتجدد للرأسمال المنتج بكل جوانبه المتنوعة، والصناعة والفلاحة والصناعة الغذائية والبنوك والمالية والتأمين والبورصة، وغيرها من الخدمات المقدمة للمقاولات والأسر والمجالات الترابية والهيئات العمومية والخاصة؛ ضمنها الخدمات اللوجستية وخدمات الصيانة والنقل وترحيل الخدمات وتدبير المجمعات الصناعية ومناطق الأنشطة الاقتصادية والتبادل الحر. وتعكف هذه القطاعات والأطراف الفاعلة على تطوير ممارساتها المعنية بالذكاء الاقتصادي في كافة الميادين التي تعدّها استراتيجية؛ من بينها حماية المعطيات الحساسة من أعمال التجسس والقرصنة والتأثير المضاد والتزوير والهجمات الإلكترونية. وتضم كذلك المقارنة المعيارية وتحليل المخاطر القطرية وممارسة الضغط والتأثير والذكاء الدبلوماسي والتسويق الترابي، وبشكل عام الذكاء الاقتصادي للمجالات الترابية والابتكار والذكاء المرتبط بمكونات الرأسمال المنتج مستقبلا. وتشمل هذه الأخيرة الصناعة الكهربائية والإلكترونية والتكنولوجيا الطبية والتقنيات السمعية – البصرية والاتصالات السلكية واللاسلكية، علاوة على الهندسة الكيميائية والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا الفضاء والاقتصاد الأزرق والأخضر والطاقة والمياه والتسلح.

بيد أن الحقيقة الأكثر أهمية وابتكارا، التي طبعت العقد الماضي، تكمن في التطور المتسارع لممارسات الذكاء، باعتبارها رافعة أساسية لتقدم الأمم والدول والمجالات الترابية والمقاولات، وإنتاج الرأسمال اللامادي المتمثل في الأطراف الفاعلة. في هذا الصدد، تنعكس هذه الممارسات على الأبعاد الأربعة للرأسمال اللامادي، المتمثلة في الرأسمال البشري والمؤسساتي والاجتماعي والثقافي.

تضم ركائز الرأسمال البشري، الذي يطلق فيليب كليرك وصف “ذكاء الموارد البشرية” على ممارساته، التعليم والتكوين والابتكار. وتتشكل أدواته من الابتكار وأقطاب التنافسية ومراكز التفكير والتأمل والمختبرات والجامعات والمراكز البحثية.

وترتبط ممارسات الرأسمال المؤسساتي بالحكامة الذكية، بما فيها الأدوات المتعلقة بالإدارة الإلكترونية والتهيئة الرقمية للمجالات الترابية. وتشمل كذلك الذكاء القانوني وتدبير التحولات وقيادة التغيير، اعتمادا على وسائل الوقاية من المخاطر الاجتماعية واستشراف المستقبل والذكاء التدبيري.

وتتكون ممارسات الرأسمال الاجتماعي من الذكاء الاجتماعي وهندسة الحوار الاجتماعي والتفاوض والتشاور والوساطة والحماية الاجتماعية والذكاء الرياضي. ويضطلع هذا الأخير بدور هام في خلق الثروة في مجال اجتماعي واقتصادي يتطور بوتيرة متسارعة.

أخيرا، يستند الرأسمال الثقافي إلى هندسة آليات صيانة التراث وحمايته، وإلى الاستعانة بالممارسات الفضلى في التنظيم والتدبير والحماية والابتكار في عموم مجالات الفن والصناعة الثقافية والإبداعية (النشر والسينما والمسرح والموسيقى والرسم والمتاحف والألعاب الإلكترونية وغيرها).

وتتوقف عملية تحويل هذه المجالات إلى ثروة حقيقية بنجاح على قدرة سياسات الذكاء الاقتصادي على رفع ثلاثة تحديات.

يكمن التحدي الأول في عامل الزمن، الذي يرتكز على ثلاثة عناصر مصاحبة. يتمثل العنصر الأول في السياقات الوطنية والقارية والعالمية التي تتطور فيها الدول والمجالات الترابية والمقاولات، والمتسمة بالتقادم السريع للمعارف والمهارات والتكنولوجيا والمهن والمؤهلات. ونتيجة لذلك، لم تعد تتوفر الدول والمجالات الترابية والمقاولات على حقوق مكتسبة. وتقتضي المحافظة على القدرات التنافسية اكتساب المعارف والذكاء والإبداع، والتحلي باليقظة الاستراتيجية.

ويتجلى العنصر الثاني في غزارة المعلومات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والتجارية والمالية، المعززة بالإمكانيات الاستثنائية التي توفرها الثورة الرقمية والاصطناعية حاليا. وفي سياق تثمين مزاياها النسبية والتنافسية والاستراتيجية، أضحت الدول والمجالات الترابية والمقاولات تصطدم بتحدي تدبير التدفق الغزير للمعلومات في وقت فعلي، بالنظر لتقادمها السريع.

ويتجسد العنصر الثالث في التغيرات السريعة والهيكلية التي يسجلها العالم حاليا. وتنعكس تداعياتها على المعايير المؤطرة للاقتصادات والمجتمعات والمؤسسات والمجالات الترابية والمقاولات، إضافة إلى التركيبة السكانية والاقتصاد والسياسة والشؤون الاجتماعية. كما تمتد إلى الثقافة والقيم والوضعية العسكرية والأمنية والجيو-استراتيجية، والتي تتأثر جميعها وتتفاقم بالعواقب المختلفة للتغييرات المناخية.

وعليه، يُنتظر من الباحثين والمحللين والخبراء والمؤسسات المعنية بالذكاء الاقتصادي الدخول في سباق مع الزمن في عالم القرن الحادي والعشرين، من خلال إعادة النظر في رؤيتهم بشأن الإشكاليات التي يفرضها هذا التغيير الدائم، والتجديد المستمر في المقاربات والأدوات والممارسات ذات الصلة بمجالات تخصصهم.

ويتمثل التحدي الثاني في إرساء دعائم منظومة للذكاء الاقتصادي في عالم تكتنفه مظاهر متعددة من اللايقين. وتشمل حالات الغموض الجيو-استراتيجية، المرتبطة بالندرة المتسارعة للموارد الاستراتيجية؛ على غرار المياه والطاقة والأراضي الصالحة للزراعة والغابات والمعادن التكنولوجية والتنوع الحيوي. وتضم كذلك حالات الغموض المؤسساتية والمالية (الديون والضرائب وترشيد خيارات الميزانية وإنتاج موارد جديدة)، والحالات المتعلقة باستفحال تداعيات التغييرات المناخية على الاقتصادات والمجتمعات والمقاولات والمجالات الترابية، والحالات المنبثقة عن مظاهر انعدام الأمن الجديدة والحروب.

ويقترن التحدي الثالث بمتطلبات التحولات الرئيسية المراد تفعيلها مستقبلا، والتي تستلزم تعزيز ممارسات الذكاء الاقتصادي ذات الصلة. وتشمل بالخصوص الانتقال المناخي والطاقي والرقمي والذكاء الاصطناعي، وانتقال المجالات الترابية والحكامة الحضرية (المدن الذكية والتنقل الحضري المستدام والسلامة الحضرية والتدبير المستدام للنفايات الصلبة والسائلة والتهيئة الرقمية للمجال)، والانتقال الاقتصادي (تغيير النموذج الاقتصادي من خلال إنتاج أكبر وأفضل ومستدام للموارد وبأقل تكلفة وإنتاج الثورة وتحصين الموارد بشكل يراعي مصالح الأجيال المقبلة والتوزيع الأمثل للثروة المنتجة)، والانتقال المجتمعي (إنتاج جيل جديد من المواطنين والمقاولات والمجالات الترابية والحكام والنخب السياسية، وخلق قيم جديدة وروابط اجتماعية، وتوطيد العيش المشترك والتماسك الاجتماعي).

وبالرغم من التقدم المحرز في هذا المجال من المعرفة الاقتصادية، فإن دينامية الذكاء الاقتصادي الحالية تطرح علامات استفهام عديدة. وستحدد إجاباتها تطور الممارسات المتعلقة به وتجلياته مستقبلا. وتتلخص في الأسئلة الخمسة التالية:

ما هي المعلومات التي يجب أن تنتجها الدول والمجالات الترابية والمقاولات والباحثون والمهنيون المتخصصون في الذكاء الاقتصادي في عصر الذكاء الاصطناعي؟

ما هي التكوينات في مجال الذكاء الاقتصادي التي يجب على الجامعات والمراكز البحثية ومراكز التفكير والمهنيين والهيئات العمومية والخاصة تدعيمها مستقبلا؟

أي نوع من برامج البحث الأساسية والتطبيقية يجب على هؤلاء الفاعلين تنفيذها؟

ما هي أشكال التنظيم التي يجب على الباحثين والمهنيين المتخصصين في الذكاء الاقتصادي تطويرها إفريقيا وعالميا، في ظل الحقائق الجديدة للاقتصادات والمجتمعات والمجالات الترابية والمقاولات، وعلى ضوء التحديات الجديدة المتصلة بممارسات الذكاء الاقتصادي في العالم الناشئ، والتي يُنتظر من هؤلاء الفاعلين مجابهتها؟

ما هي الشراكات الإفريقية والدولية المراد تطويرها على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف بهدف مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها الذكاء الاقتصادي، والمرتبطة بالتغييرات الهيكلية المسجلة حاليا في إفريقيا والعالم؟

تلكم التحديات المرتبطة بهذا المجال والتي يتعين على الخبراء والباحثين والمهنيين الاجابة عنها في السنوات المقبلة.

ويؤشر إحداث “المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي” في 08 دجنبر 2023 بمدينة الداخلة، في إطار شراكة تجمع منتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي بالداخلة والجمعية الدولية الفرنكوفونية للذكاء الاقتصادي بباريس والجمعية الدولية لمهنيي الذكاء الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي جرت مراسيم التوقيع الرسمي على الاتفاقية المؤسسة له بتاريخ 14 ماي 2024 بالرباط، يؤشر مستقبلا على ميلاد قطب دولي للتميز في مجال البحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بمدينة الداخلة.

* رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة ومنتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق قائمة بيراميدز لمباراة أورولاندو بايرتس في دوري أبطال إفريقيا
التالى تشكيل الأهلي المتوقع أمام صن داونز في دوري أبطال إفريقيا.. أحمد رضا وبن شرقي أساسيان