الاحد 04 مايو 2025 | 03:50 صباحاً

المرأة الريفية
في قلب الريف بمحافظة كفر الشيخ، حيث تمتزج الأرض بالخُضرة والعمل بالحياة، تقف المرأة الريفية كدعامة أساسية في بناء الأسرة والاقتصاد المنزلي. ورغم بساطة الأدوات وصعوبة الظروف، فإن ما تؤديه من أدوار متشابكة يجعلها شريكة حقيقية في التنمية، وإن لم يُسلَّط الضوء عليها كثيرًا.
تعتمد آلاف الأسر في قرى كفر الشيخ على ما تنتجه المرأة داخل المنزل أو في الحقل. فهي لا تكتفي بإدارة شئون بيتها فقط، بل تسهم في تربية الدواجن، وصناعة الجبن، والخبز البلدي، وزراعة الخضروات والفاكهة في المساحات الصغيرة الملحقة بالمنزل.. هذه الأنشطة، رغم بساطتها، توفر للأسرة اكتفاءً ذاتيًا جزئيًا، وتقلل الاعتماد على الأسواق، خاصة في ظل موجات الغلاء المتكررة.
المرأة هي عمود الأسر الريفية الفقري
تقول الحاجة "أم محمود"، من قرية شباس الملح، إنها تُعد يوميًا الزبدة والجبن البلدي من لبن الجاموسة التي تربيها، وتبيع الفائض للجيران أو في سوق القرية، وهو ما يُدر لها دخلًا ثابتًا ساعدها في تعليم أبنائها. وتضيف: "المرأة في الريف مش بس ست بيت، إحنا بنشتغل ليل نهار، وربنا بيبارك".
من جانبها، أكدت "فاطمة عبد الستار"، الباحثة الاجتماعية في إحدى جمعيات تنمية المرأة الريفية، أن المرأة في كفر الشيخ تلعب دورًا اقتصاديًا كبيرًا غالبًا ما يُهمل في الإحصائيات الرسمية، خاصة وأن معظم نشاطها غير مدوَّن أو مرتبط بالاقتصاد غير الرسمي. وتوضح أن مشروعات تربية الأرانب والدواجن والصناعات الغذائية البسيطة تمثل مصدر رزق لعشرات الأسر.
وفي ظل قلة فرص عمل للنساء في القرى، تبقى هذه الأنشطة وسيلة للتمكين الاقتصادي، رغم أن المرأة الريفية لا تزال تعاني من غياب التدريب والدعم الحكومي الكافي. ورغم وجود بعض المبادرات التابعة للتضامن الاجتماعي أو الجمعيات الأهلية لتدريب النساء على التصنيع الغذائي وإدارة المشروعات الصغيرة، إلا أن انتشارها لا يغطي احتياجات الريف بالكامل.
المرأة الريفية تعمل في صمت لكنها تصنع التاريخ
ورغم التحديات، تواصل المرأة الريفية في كفر الشيخ دورها اليومي في صمت، تحفظ الاقتصاد المنزلي، وتُربّي الأجيال، وتغزل الحياة من خيوط البساطة والكفاح, إضافة إلى مساهماتها المجتمعية التاريخية في تخريج علماء شرفوا مصر ورفعوا اسمها في كافة المحافل الدولية, أمثال الدكتور أحمد زويل العالم الكيميائي والحاصل على جائزة نوبل 1999, والدكتور حمدي موافي عالم الزراعة , الحاصل على الميدالية الذهبية في معرض جينيف, عن أبحاثه في مجال الزراعة, ورائدة محو الأمية في مصر, رقية جاد الحق, أول من بادر لمحو الأمية في القرى والأرياف, وانطلقت من قريتها بمركز بيلا في كفر الشيخ, قبل إنشاء هيئة محو الأمية بـ 25 سنة.
تقول ملك عبد الرحمن, من مركز قلين, طالبة بكلية التمريض بكفر الشيخ, أنها كانت تحلم أن تصبح طبيبة ناجحة ومشهورة, لكنها بعد حصولها على أعلى الدرجات في الشهادة الإعدادية, اضطر والدها أن يدخلها معهد التمريض, لأنه لم يكن يقدر على مصاريف الثانوي العام, لكنها بعد التحاقها بالتمريض اجتهدت وجدت حتى حصلت على أعلى الدرجات لتلتحق بكلية التمريض, وهي الآن لا تزال تدرس بها وتأمل أن تصير معيدة بالكلية ثم أستاذة بها, لتحقق حلمها دون أن تشق على والدها البسيط.
المرأة الريفية في كفر الشيخ تتحول من صانعة للحياة والعلماء إلى أن أصبحت هي العالمة
وإذا كانت المرأة الريفية قد عُرفت لعقود بأنها المربية الأولى التي تُخرّج من بيتها الطبيب والمهندس والعالِم، فإن المرحلة الحالية تُظهر تحوّلًا لافتًا؛ إذ بدأت المرأة ذاتها تتقدّم الصفوف في مجالات البحث والتعليم. لم تعد فقط من تُمهّد الطريق للعلماء، بل أصبحت هي العالمة والباحثة والمعلمة. ففي قرى كفر الشيخ، تزايد عدد الطالبات المتفوقات في الثانوية العامة والجامعات، وبرزت نماذج لفتيات ريفيات التحقن بكليات القمة، وساهمن لاحقًا في مشروعات بحثية وعلمية، داخل مصر وخارجها.
وكانت الطالبة جنى إبراهيم عبد المعبود, الطالبة بمدرسة المتفوقين بكفر الشيخ, قد ابتكرت تطبيقًا زراعيًا لمراقبة الأرض الزراعية عن بُعد, عن طريق المستشعرات والـ Wi Fi , وذلك للتسهيل على المزارعين ومساعدتهم في منع المشاكل التي تواجههم, وتحسين زيادة الإنتاجية.
هذا التطور لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لتراكم وعي طويل تشكل عبر الأجيال، بفضل أمّهات رأين في التعليم الخلاص من الفقر والتمكين الحقيقي لأسرهن. وهكذا، تحوّلت المرأة الريفية من عماد الاقتصاد المنزلي فقط، إلى عماد العلم والمعرفة، تُثبت كل يوم أنها قادرة على كسر الصور النمطية، ومواصلة الرحلة بنفس القوة والإصرار, لكن على صعيدٍ أكثر توسعًا وانفتاحًا, مع الحفاظ على قيمها الراسخة, التي تجعلها تجمع بين النهضة العلمية والسلام الأسري, الذي يحفظ مستقبل مصر المشرق.
اقرأ ايضا