موسكو بين الرباط والجزائر .. رئاسة مجلس الأمن تختبر موقف روسيا

موسكو بين الرباط والجزائر .. رئاسة مجلس الأمن تختبر موقف روسيا
موسكو بين الرباط والجزائر .. رئاسة مجلس الأمن تختبر موقف روسيا

في ظل توترات إقليمية متشابكة ومساعٍ أممية متسارعة لطي صفحة نزاع طال لقرابة خمسة عقود يعود ملف الصحراء المغربية ليتصدر واجهة النقاشات الأممية داخل مجلس الأمن الدولي، من بوابة الرئاسة الروسية المرتقبة خلال أكتوبر المقبل.

الموعد قد يعيد تشكيل معالم الحل السياسي، بين تقاطعات المواقف الدولية وتشابك الحسابات الجيوسياسية ووسط تحركات دبلوماسية متزايدة نحو صياغة ملامح قرار حاسم يرتقب أن يكون مختلفا وجذريا عن سابقيه.

ووفق أجندة الأمم المتحدة فإن روسيا الاتحادية ستتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر المقبل، وهي الرئاسة التي تأتي في سياق حساس يتسم بعودة زخم النقاش حول ملف الصحراء المغربية، خاصة بعد الإحاطة التي قدمهما المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، وما رافقها من جدل حول مستقبل المسار السياسي وإمكانات تجاوز أطروحة الانفصال بشكل نهائي.

الإحاطة الأخيرة التي شكلت ثمرة مسار طويل من التحركات الدبلوماسية شملت جولات إقليمية للمبعوث الأممي ولقاءات غير رسمية جمعت أطراف النزاع خلال أبريل المنصرم، أسفرت عن إعادة تثبيت مقترح الحكم الذاتي كخيار واقعي وجدي يحظى بدعم متزايد داخل دوائر القرار الأممي، من قبل قوى وازنة كفرنسا، الولايات المتحدة، وإسبانيا. كما واكب هذا المسار دعم متواصل لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الوحيد القابل للتطبيق لحل النزاع المفتعل، وفق منظور يحترم سيادة المغرب ويضمن استقرار المنطقة.

وتعد رئاسة روسيا لمجلس الأمن محطة فارقة بالنظر إلى موقعها كقوة دائمة العضوية ذات علاقات متشابكة مع أطراف النزاع، ومواقفها المتحفظة عادة في التصويت دون تبنٍّ صريح لأي مقترح. كما من شأن هذا الدور أن يفتح الباب أمام قراءة متأنية لمواقف موسكو التي ظلت تراهن على التوازن في تعاطيها مع الملف، مع تسجيل انخراطها في دعم مساعي الأمم المتحدة دون المساس بمصالحها الجيوسياسية في شمال إفريقيا.

ومن المرتقب أن يصدر قرار أممي شهر أكتوبر المقبل يحمل نبرة أكثر وضوحا من القرارات السابقة، ويستند إلى خلاصات الإحاطات الأممية الأخيرة والمشاورات غير الرسمية، ويرسم معالم مرحلة جديدة قد تضع حدا نهائيا لخيار الانفصال، ويعيد تأسيس مرجعية أممية واضحة تُبنى على مقترح الحكم الذاتي، كأرضية وحيدة ممكنة لتسوية النزاع بشكل واقعي وعملي ونهائي.

المصالح مقابل المواقف

يرى سعيد بوشاكوك، الباحث المهتم بقضايا التنمية والمجال، أن موازين القوى في السياق الدولي الراهن أضحت تميل إلى منطق المصالح أكثر من تمسكها بثوابت المواقف؛ ما يجعل المشهد الجيوسياسي مفتوحا على تحولات عميقة تعيد ترتيب العلاقات الدولية، خاصة في ما يتعلق بالملفات الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها نزاع الصحراء المغربية.

وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن روسيا الاتحادية بوصفها قوة جيوسياسية واقتصادية عظمى تضطلع بدور محوري في إعادة رسم ملامح نظام عالمي متعدد الأقطاب، لافتا إلى أنها “تحرص على التوفيق بين الحفاظ على حلفائها التقليديين وتوسيع شبكة شركائها عبر بوابة التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني والعسكري، دون المساس بمصالحها الحيوية”.

ولفت المهتم بخبايا الملف الانتباه إلى أن “الجمع بين الثقل الجيو- إستراتيجي والقدرات الاقتصادية لروسيا يمنحها مكانة لا يمكن تجاوزها داخل المنظومة الدولية، لاسيما في ظل عضويتها الدائمة بمجلس الأمن، ما يجعل مواقفها ذات تأثير مباشر في مسارات القضايا المعروضة على أنظار المجلس، ومنها ملف الصحراء المغربية الذي شهد تطورات لافتة في مواقف موسكو خلال السنوات الأخيرة”.

“الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس إلى موسكو، وما رافقها من توقيع اتفاقيات إستراتيجية بإشراف مباشر من جلالته والرئيس فلاديمير بوتين، ساهمت في إرساء مناخ من الثقة المتبادلة”، يسجل المهتم بالصراع حول الصحراء، قبل أن يضيف أن “هذه الدينامية الجديدة انعكست بشكل جلي في عدة مؤشرات دالة، أبرزها حياد روسيا الاتحادية في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء المغربية، واستمرار وتيرة الشراكة الاقتصادية والتجارية بين موسكو والرباط، إلى جانب الإشادة الروسية بالموقف المتزن للمغرب من الحرب الروسية الأوكرانية، ورفض موسكو القاطع محاولات الجزائر فرض حضور جبهة البوليساريو في الفضاءات الدولية، كما حصل في منتدى روسيا–إفريقيا الأخير”.

وبخصوص رئاسة روسيا المرتقبة لمجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر التي تتزامن مع استمرار عضوية الجزائر غير الدائمة أبرز بوشاكوك أن هذا المعطى ستكون له انعكاسات على الموقف الروسي من النزاع، مرجحا استمرار نهج الامتناع عن التصويت؛ بما يتيح الحفاظ على مناخ يسمح بإعادة تفعيل الدينامية السياسية، خاصة من خلال العودة إلى صيغة الموائد المستديرة التي أوصى بها مجلس الأمن في قراراته الأخيرة.

وختم المتحدث تصريحه بالتشديد على أهمية توسيع الشراكة مع روسيا عبر تحفيز الاستثمارات ومنح فرص اقتصادية مغرية لرجال الأعمال الروس، معتبرا أن “توظيف الورقة الاقتصادية يعد رافعة أساسية لدعم الموقف المغربي داخل المنتظم الدولي، خصوصا في ظل الزخم المتنامي الذي يشهده مخطط الحكم الذاتي، والتأييد المتواصل من قبل قوى كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.

الحياد ضد الانفصال

تتطلع الجزائر إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي وتحقيق اختراق في مواقف بعض القوى الدولية بشأن نزاع الصحراء المغربية، تزامنا مع تولي روسيا الاتحادية رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر المقبل، في محاولة لإعادة ترتيب الأوراق بعد نكوص وانكماش طال خريطة الدول المتبنية أطروحتها المؤيدة لجبهة البوليساريو.

وفي هذا الصدد قال الدكتور ددي بيبوط، الباحث في التاريخ المعاصر والحديث، إن الجزائر تراهن على هذا الظرف الدولي لإقناع موسكو بطرح مخرجات جديدة داخل مجلس الأمن حول ملف الصحراء، غير أن هذا المسعى يصطدم بتغيرات جوهرية طرأت على الموقف الروسي منذ نهاية الحرب الباردة، مؤكدا أن “موسكو باتت تتبنى دبلوماسية أكثر واقعية تتأسس على المصالح طويلة المدى لا على الاعتبارات الإيديولوجية القديمة”.

واستحضر بيبوط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن موسكو التي دعمت أطروحة الجزائر في الماضي انطلاقا من منطلقات سوفياتية بدأت تتخلى عن ذلك بعد سنة 1998، حين دخلت روسيا مرحلة إعادة بناء سياستها الخارجية على أسس براغماتية، من أجل تثبيت موقعها في نظام عالمي متغير تقوده أحادية قطبية أمريكية.

وبحسب المتحدث ذاته فإن موسكو لم تُفرط يوما في علاقاتها مع المغرب، رغم تقاربها السابق مع الجزائر، بل ظلت تحرص على التوازن وتفادي القطيعة، إدراكا منها أهمية المملكة كفاعل سياسي واقتصادي محوري في شمال إفريقيا، مضيفا أن “التحول الأكبر سجّل منذ سنة 2007، عقب تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي الذي لقي ترحيبا دوليا واسعا”.

وأبرز بيبوط أن تصويت روسيا لصالح القرارين الأمميين 1282 لسنة 1999 و1301 لسنة 2000، اللذين أقرا باستحالة تطبيق خطة التسوية واستمرار الخلافات بشأن الهيئة الناخبة، يعكس بداية التحول التدريجي في موقف موسكو، وتخليها العملي عن فرضية الاستفتاء كحل نهائي للنزاع المفتعل.

وتابع الخبير ذاته بأن هذا المسار استمر خلال العقدين الأخيرين، حيث بدأت روسيا تصوت على قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع بشكل متزن، يؤكد دعمها جهود المبعوثين الأمميين ولخطة سياسية واقعية ومقبولة من الطرفين، مع رفضها أي تغيير في ولاية بعثة المينورسو، وهو ما يظهر اتساق موقفها مع مبادئ الاستقرار الإقليمي واحترام سيادة الدول.

وأوضح الباحث في ملف الصحراء أن موسكو رغم استقبالها المتكرر وفود البوليساريو لم تعترف مطلقا بهذا الكيان كدولة؛ وهو ما يبرز تريثها في ملف معقد تحكمه موازين قوى دقيقة وحسابات إستراتيجية تتجاوز علاقاتها التاريخية بالجزائر، مبرزا في الآن ذاته أن “رهان الجزائر على تغيير روسي مفاجئ بخصوص النزاع لا يجد له سندا في الواقع الجيو-إستراتيجي الحالي”.

وأكمل الدكتور ددي بيبوط حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن أي محاولة جزائرية لاستغلال رئاسة موسكو مجلس الأمن في أكتوبر المقبل لن تنجح في زحزحة الموقف الروسي المتسم بالاتزان، الذي يراعي استحالة تطبيق الحلول القديمة، ويثمّن الجهود السياسية الواقعية؛ في سياق دولي يزداد دعم مقترح الحكم الذاتي وتتوالى الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق النداء الأخير.. رسالة هامة من "التعليم" للطلاب بشأن استمارة امتحانات الدبلومات الفنية 2025
التالى عاجل ـ شركة ميتا تحقق أرباح ربع سنوية بقيمة 16.6 مليار دولار