في ظل تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، سجّل الذهب ارتفاعًا تاريخيًا جديدًا، الثلاثاء، ليواصل أداءه كأبرز الملاذات الآمنة.
بلغت أسعار الذهب ذروة قياسية ولامست عتبة 3500 دولار المهمة اليوم الثلاثاء إذ أدت مخاوف ناجمة عن انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) جيروم باول إلى النأي عن المخاطرة ودفعت المستثمرين للإقبال على الذهب باعتباره ملاذا آمنا.
وارتفع الذهب في المعاملات الفورية 2.2 بالمئة إلى 3493.41 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 10:20 بتوقيت أبوظبي، بعدما لامس مستوى قياسيا مرتفعا عند 3500.05 دولار للأوقية في وقت سابق من الجلسة.
وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 2.3 إلى 2502.40 دولار.
وقال تيم ووترر كبير محللي السوق في كيه.سي.إم تريد "أصبح المستثمرون يتجنبون الأصول الأمريكية بشكل كبير وسط مخاوف إزاء الرسوم الجمركية و(الوضع) الدرامي بين ترامب وباول، وهو ما أبقى الذهب في وضع ممتاز للاستفادة من مشاكل الدولار".
جدد ترامب دعوته لخفض أسعار الفائدة على الفور أمس الاثنين محذرا من أن الاقتصاد الأمريكي قد يواجه تباطؤا، في حين انتقد موقف باول المتمثل في إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير لحين اتضاح تأثير خطط الرسوم الجمركية على التضخم.
اضطراب الأسواق
وواجهت أسواق الأسهم الآسيوية صعوبة في الحفاظ على استقرارها بعد عمليات بيع سريعة للأصول الأمريكية أدت إلى إضعاف وول ستريت والدولار.
واتهمت الصين واشنطن أمس الإثنين بإساءة استخدام الرسوم الجمركية وحذرت الدول من إبرام اتفاقيات اقتصادية أوسع مع الولايات المتحدة على حسابها.
الذهب يتألق
ويعتبر الذهب ملاذا آمنا في مواجهة حالة الضبابية الاقتصادية، وزاد قرابة 33 بالمئة منذ بداية العام.
وتترقب الأسواق تعليقات من عدة مسؤولين في مجلس الاحتياطي الاتحادي هذا الأسبوع، على أمل الحصول على مؤشرات حول مسار السياسة النقدية وسط مخاوف بشأن استقلال البنك المركزي.
المعادن النفيسة الأخرى
وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية 0.3% إلى 32.80 دولار للأوقية، وزاد البلاتين 1.1% إلى 972.20 دولار، وصعد البلاديوم 2.2% إلى 948.14 دولار.
وتبقى أنظار الأسواق موجّهة هذا الأسبوع نحو سلسلة من التصريحات المرتقبة لمسؤولين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في محاولة لاستقراء الاتجاه المقبل للسياسة النقدية، وسط جدل متصاعد حول استقلالية البنك المركزي، ودوره في إدارة واحدة من أكثر الفترات الاقتصادية تقلبًا في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وكشف الدكتور محمد عبد الهادي، خبير أسواق المال والاقتصاد، أن الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب عالميًا مرتبط بشكل مباشر بالتوترات التجارية العالمية، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى التحديات الجيوسياسية الراهنة.
وأوضح عبد الهادي، في تصريحات تليفزيونية، أن "أسعار الذهب ترتفع طرديًا مع تصاعد التوترات والرسوم الجمركية"، مشيرًا إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي حول فرض مزيد من القيود الجمركية تخلق موجة من القلق لدى المستثمرين، ما يدفعهم للتحوّط من خلال شراء الذهب.
وأضاف أن البنوك المركزية حول العالم، وعلى رأسها الصين، اتجهت خلال الأشهر الأخيرة إلى زيادة احتياطاتها من الذهب، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على موسكو، والتي شملت تجميد أصول روسية بقيمة 400 مليار دولار، مما زاد المخاوف من تعرض دول أخرى لخطوات مماثلة.
وأشار عبد الهادي إلى أن الصين رفعت احتياطها من الذهب إلى 700 طن، كجزء من استراتيجيتها للتحوّط من تقلبات الأسواق، خاصة مع الضغوط المتزايدة على الدولار الأمريكي، لافتًا إلى أن "العلاقة بين الذهب والدولار علاقة عكسية، وكلما ضعُف الدولار، اتجه المستثمرون نحو الذهب كملاذ آمن".
كما أشار إلى أن حجم الديون الأمريكية بلغ مؤخرًا نحو 36.2 تريليون دولار، وهو ما يضغط على العملة الأمريكية ويزيد من التوقعات برفع أسعار الذهب. وقال: "هناك مؤسسات مالية عالمية تتوقع وصول سعر الأونصة إلى 3700 دولار، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي".