تصاعدت ظاهرة العنف في المدارس المغربية بشكل مقلق في السنوات الأخيرة، حيث شهدت مؤخرا حوادث صادمة أعادت فتح النقاش حول دور النظام التربوي في مواجهة هذه الظاهرة.
وقبل أيام أثارت حادثة مقتل أستاذة بإحدى مؤسسات التكوين المهني على يد أحد طلابها موجة غضب واسعة، مما دفع زملاءها بمختلف المستويات التعليمية على الصعيد الوطني إلى الاحتجاج والتنديد بهذا العمل، الذي وُصف بكونه “نقطة سوداء” في تاريخ المدرسة المغربية.
هذه الحوادث، وفق الخبراء، ليست حالات معزولة، بل تعكس أزمة عميقة تتجاوز جدران المدرسة لتطرح تساؤلات حول فعالية السياسات التعليمية في الحد من العنف، مع الإشارة إلى إحصائيات سابقة، مثل تقرير وزارة التربية الوطنية لموسم 2016-2017، الذي سجل 86 حالة عنف داخل المدارس، وهو ما يطرح ضرورة مساءلة دور النظام التربوي، وما إن كان جزءا من الحل، أم يُسهم في تفاقم المشكلة بسبب نواقصه.
ويؤكد الخبير التربوي ورئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التربية والتعليم، عبد الناصر ناجي، أن العنف الصادر عن التلاميذ، سواء داخل المدرسة أو خارجها، “ينبغي أن يكون خطًا أحمر يجب التصدي له بحزم من خلال تعبئة الدولة والمجتمع لتأسيس قواعد تجعل هذا السلوك منبوذًا”. ويرى أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب الغوص في أسبابها العميقة، التي تشمل أبعادًا اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وسياسية.
ولفت ناجي، في تصريح لهسبريس، إلى أن “انقلاب سلم القيم في المجتمع المغربي عامل رئيسي”، مشيرا إلى تراجع قيم الاحترام والانضباط والمسؤولية لصالح الاستهتار والحرية غير المنضبطة لأي قواعد.
وأضاف أن المدرسة أصبحت عرضة لظواهر اجتماعية سلبية مثل التحرش، التنمر وتعاطي المخدرات، نتيجة غياب حماية كافية لهذا الفضاء التربوي، مبرزا أن الترويج لقدوات منحرفة أخلاقيًا عبر وسائل الإعلام أو مؤسسات رسمية يُسهم في تمثل التلاميذ لثقافات دخيلة تُنتج عنفًا رمزيًا، لفظيًا أو جسديًا، يظهر في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي الملاعب الرياضية والشوارع.
ودعا إلى تبني سياسات عمومية مندمجة تستهدف الأسرة لتعزيز دورها في التنشئة الاجتماعية السليمة، والإعلام للترويج لقيم مغربية أصيلة، والمدرسة لاستعادة دورها التربوي من خلال فرض الانضباط واحترام الأطر التربوية. كما شدد على ضرورة إعادة الاعتبار للمدرس من خلال تجريم الإهانات الموجهة إليه، وتطبيق القوانين التي تحمي الموظف العمومي، مشيرا إلى أن محاربة الهدر المدرسي تتطلب إعادة النظر في سياسة إرجاع التلاميذ المفصولين دون معالجة أسباب انحرافهم، إلى جانب تكوين المدرسين للتعامل مع الحالات الخاصة لضمان بيئة تعليمية خالية من العنف.
وخلص رئيس مؤسسة “أماكن” إلى أن ضعف مردودية النظام التربوي، الذي يتجلى في ارتفاع نسب التكرار ومغادرة 300 ألف تلميذ سنويًا للمدرسة، يُغذي شعور التلاميذ بالنقص مقارنة بأقرانهم، مما يُترجم إلى سلوكات عنيفة.
من جانبه وضع جمال حدادي، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، ظاهرة العنف في المدارس كجزء من منظومة ثقافية واجتماعية معقدة، حيث يُعد التعليم قطب الرحى في هذا السياق، موضحا أن العنف يتسلل إلى المدرسة عبر عناصر متعددة، مثل التلميذ المعنَّف في بيته، الذي يُفرغ شحنته العاطفية بعنف ضد زملائه أو الأطر التربوية.
وأكد حدادي، في حديث لهسبريس، أن السياسات التعليمية الحالية “تفتقر إلى سبل الوقاية من العنف”، مشيرا إلى أنها تعتمد مقاربة أمنية تركز على العقاب بدلاً من العلاج، مما يُفاقم الظاهرة بدلاً من احتوائها.
وأضاف أن مناهج التعليم “تتناول العنف بشكل خجول”، حيث تكاد تخلو من نصوص أو أنشطة تُعزز قيم التسامح والتعايش، لافتا إلى غياب البحث العلمي، وطالب بإشراك علماء الاجتماع والنفس في تطوير سياسات تعليمية تُعالج جذور العنف.
وأبرز أن الأطر التربوية تُعد الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، مضيفا أنها تفتقر إلى وسائل تأديب فعالة أو تكوين يُمكّنها من التعامل مع سلوكات التلاميذ العنيفة، في ظل تساهل مع حمل الأسلحة البيضاء وغياب دور الأسرة في مراقبة أبنائها.
وخلص الأكاديمي ذاته إلى أن استفحال العنف في المدارس يعكس تغيرات مجتمعية أوسع تؤثر على المغرب، داعياً إلى إصلاح السياسات التعليمية من خلال إشراك الفاعلين الحقيقيين، مثل الأساتذة والأسر، في تطوير المدرسة، مع تعزيز دور البحث العلمي لفهم الظاهرة ووضع حلول وقائية.